فجعت الأمة السودانية، وفي يوم من أعظم أيام الله، صبيحة عيد الفطر المبارك أول شوال 1433ه، برحيل نفر كريم من رجالها الخلص العابدين الزاهدين، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رجال أدوا صيامهم وقيامهم وركوعهم وسجودهم ليلقوا ربهم طاهرين مطهرين.. درجت الدولة في أول أيام العيد على انتداب بعض الوزراء والمسؤولين ليكونوا مع إخوانهم الذين يسدون ثغرات البلاد بمناطق القتال المختلفة، ويعيدوا مع المجاهدين حتى لا يحس أولئك أنهم (نسياً منسياً) بلا أهل ولا أسرة ولا أبناء ولا أمهات ولا عمات ولا خالات ولا أصحاب ولا أصدقاء ولا فرحة ولا متعة.. لذلك ظلت الدولة تنتدب القيادات الرفيعة لتكون معهم تشد من أزرهم وتقف إلى جانبهم كأنهم بين أهلهم وذويهم ليشعروا بمتعة العيد وفرحته رغم بعدهم عن الأسرة.. جاء هذا العيد ماسخاً بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وظللت البلاد بسحابة من الحزن جراء الحادث الأليم والفاجعة بسقوط الطائرة التي تقل وفداً رفيعاً لأداء صلاة العيد مع المجاهدين في منطقة تلودي، الذي كان على رأسه المهندس "غازي الصادق عبد الرحيم" وزير الإرشاد، و"عيسى ضيف الله" وزير الدولة بالسياحة، والسيد "علي الجيلاني" وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم، والسيد "مكي علي بلايل" رئيس حزب العدالة وعدد من أفراد الدفاع الشعبي والإعلاميين بالتلفزيون، ومعتمد بحري "طارق مبارك" وعدد آخر من الشهداء الأبرار الذين لبوا نداء ربهم في أعظم أيامه، عيد الفطر المبارك. إن كارثة طائرة تلودي لم تكن الأولى التي يروح ضحيتها نفر كريم من هذه الأمة بسبب الحرب بين أبناء الوطن الواحد الذين ضحوا بدمائهم الطاهرة من أجل أن يتحقق الأمن والسلام والاستقرار، والغدر والخيانة لم يوقفا أولئك الطامعين في تحقيق المكاسب الشخصية، لم يتركوا الوطن يعيش في أمن وسلام فتربصوا بالمخلصين الصابرين في يوم تملأ الفرحة الجوانح ويبتهج الناس بعد أن أكملوا صيامهم وقيامهم، ويسألون الله لهم ولإخوانهم وأحبابهم وجيرانهم وأصدقائهم العفو والعافية في هذا اليوم العظيم، ولكن المتربصين قتلوا الفرحة في نفوس الأطفال الذين لبسوا ثياب العيد وآثروا أن يلعبوا مع أقرانهم بتلك الألعاب التي حرصوا على شرائها، ولكن تيتم الأطفال وترملت النساء وفقدت أسر عائلها الذي كانت تمني النفس أن يكون بينها لابساً ثيابه الجميلة وعمامته البيضاء وملفحته الزاهية. إن منطقة جنوب كردفان لم تهدأ ولن تهدأ طالما هناك متربصون بهذه الأمة لا يخافون الله ولا يخشون عذابه. إن حادثة طائرة تلودي لم تكن قضاء وقدراً، بل كانت تربصاً مع سبق الإصرار والترصد، ولا يعقل أن تصطدم تلك الطائرة بالجبل والكابتن يعرف المنطقة جيداً، فكم من طائرة اخترقت السحاب وكم من طائرة هبطت بتلك المناطق في ظروف بالغة التعقيد. إن الذين خسروا الانتخابات بجنوب كردفان لن يهدأ لهم بال أبداً وسيظلون في حالة حرب دائمة، إما أن ينالوا ما يطلبونه، وإما أن يتربصوا بالأبرياء والعزل طالما هم ما زالوا في تلك الجبال التي يتحصنون بها. في منزل الشهيد "غازي الصادق" حدثني من أثق فيه قائلاً إن هناك اختراقاً للدولة، فاتصل أحد الأشخاص من مناطق القتال يسأل إن كان "عبد الرسول النور" أحد قيادات المسيرية وحزب الأمة في تلك الطائرة؟.. كما توقع المتربصون أن يكون الوفد الذي استشهد أرفع من الذين استشهدوا.. فعلى الدولة أن تكشف أولئك المعتدون قبل أن تخسر كل المعركة.