"أحمد بلال" والقيل والقال.. بعيداً عن الانفعال..! مصطفى أبو العزائم بالله عليكم ما الذي أقام دنيا البعض وأقعدها في السودان عقب تصريحات للسيد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم حكومة الوفاق الوطني الدكتور "أحمد بلال" والذي هو في ذات الوقت أحد أبرز قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي في البلاد؟ نعم.. ما الذي أقام دنيا البعض وأقعدها بعد تصريحات الدكتور "بلال" (العفوية) و(الصادقة) لإحدى القنوات الفضائية العربية – قناة إرم – والتي وصف فيها قناة الجزيرة الفضائية بأنها تعمل على إسقاط النظام في مصر؟.. لماذا هذا الهياج ولماذا هذا الوعيد والتهديد والمطالبة بعزل الوزير الشجاع الذي قال رأيه الشخصي، وهو رأي كثيرين في بلادنا، لا يرون في أداء قناة الجزيرة الفضائية القطرية حياداً، أو مهنية ترقى إلى حياد ومهنية قنوات أخرى مثل (فرانس 24) أو ال(بي بي سي) وغيرها، ولنا شواهد عديدة على ادعاء السير في طريق المهنية مع (الإصرار) عليها باسم الحريات والحياد. وهل يتطلب مثل هذا الأمر أن يتجرأ مكتب الجزيرة وممثلوها في "الخرطوم" أن تخاطب رئاسة الدولة ممثلة في السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء القومي الفريق "بكري حسن صالح" بخطاب غاضب تطالب فيه بتوضيح موقف الحكومة؟.. هل أصبحت قناة الجزيرة حكومة تخاطب حكومة؟.. أم أن مكتبها في "الخرطوم" أصبح ممثلاً لدولة أخرى ونحن لا نعلم؟ نحن لن ننسى لقناة الجزيرة موقفها عام 2003م عندما أشعلت النار في إقليم دارفور من خلال الأفلام والتسجيلات (المخدومة) لتبثها في حلقات باسم (الحريق)، كانت رسالة مناصرة للحركات المسلحة المتمردة خاصة تلك التي يقودها تيار إسلامي هو الأقرب فكرياً للشيخ الدكتور "حسن الترابي" – رحمه الله – بعد المفاصلة الكبرى داخل المؤتمر الوطني (الأول) لينشق الإسلاميون بعده إلى مؤتمرين (وطني) يقوده رأس الدولة الشرعي، و(شعبي) يقوده الشيخ "الترابي" الذي لم يقبل أن تكون هناك سلطة أعلى منه، رغم وجوده على قمة الهرم التشريعي آنذاك. هل يمكن أن ننسى تلك المواقف وإلى ما أفضت؟ لقد تم تدويل قضية دارفور وظل شعبنا يعاني بسبب ذلك حتى يوم الناس هذا، و(الجزيرة) تمارس في عملها الذي يعده البعض عبادة! هل ينسى السودانيون دور قناة الجزيرة إبان هبة سبتمبر الشعبية والتي راح ضحيتها عدد من أبناء هذا الشعب، وقد كانت الجزيرة تحرض وتدفع لأن يكون هناك ربيع عربي آخر في السودان، بعد أن تبنت عدة ثورات مصطنعة في عدد من الدول العربية لصالح من نعلم ومن يعلم الجميع.. كانت نتائجها هي الخراب والفوضى والدمار والاحتراب الذي لا يعلم أحد متى ينتهي، وكل ذلك باسم الحريات وباسم الحياد والمهنية، ولكن الشعب السوداني الذي وعى الدروس من خلال متابعة لما يسمى بثورات الربيع العربي في المنطقة، هذا الشعب امتنع عن التجاوب مع الدعوة للفوضى والفجور السياسي. نعود لموضوع الوزير الشجاع الدكتور "أحمد بلال عثمان" ونقول إنه حتى وإن كان موقف الدولة الرسمي هو الحياد في أزمة الخليج، فإن ذلك الموقف لم يتأثر بما قاله الدكتور "أحمد بلال" إلا إذا كانت (الجزيرة) تعتبر أنها دولة فوق الدولة.. والوزير "أحمد بلال" ونحن جميعنا نعلم أن "الجزيرة" تستهدف مصر ونظامها القائم والذي تصفه دائماً بالانقلاب رغم أن أمور الحكم دائماً في بلاد الدنيا هي شأن داخلي، فهل تستطيع الجزيرة مثلاً أن تصف تولي أي من حكام قطر للسلطة ب(الانقلاب)..؟ لن تستطيع، رغم ادعاء الاستقلالية والمهنية والحياد. نعم.. نحن نعلم أن هناك (تار بايت) بين الجزيرة ومن تتحدث باسمهم.. وبين مصر الدولة منذ لحظة إسقاط حكم الرئيس السابق "محمد مرسي".. بانحياز الجيش للثورة الشعبية العارمة التي كانت تطالب بإقالته، وتولى الجيش السلطة وهذا شأن مصري داخلي، لكن أهل (الجزيرة) لم يقبلوا بذلك، بل ظلوا على الدوام في حالة عداء مع النظام الجديد، نجحوا في تحويلها إلى حالة عداء مع كل الشعب المصري. وأذكر تماماً أنه بعد أن انقلب الجيش المصري على الرئيس "مرسي"، أذكر أنه تم استدعاؤنا نحن نفر من أهل الصحافة والإعلام وعدد من المفكرين وأساتذة الجامعات وأساتذة العلوم السياسية والإستراتيجية وقدامى الدبلوماسيين من الخبراء المختصين وآخرين، إلى وزارة الخارجية للتداول حول التحول السياسي الذي حدث في مصر – وهذا حديث لأول مرة أكتبه وأتطرق إليه – وأعطيت الفرصة لكل من شارك في الاجتماع وقد أمنوا جميعهم على أن ما يحدث في مصر شأن داخلي وقدمت مقترحاً بأن يعترف السودان فوراً بالنظام الجديد، وأن يخاطب السيد رئيس الجمهورية هاتفياً قائد الانقلاب أو التحول أو الثورة في مصر – سمها ما شئت – ويؤكد له على حرص الدولة السودانية على أمن مصر واستقرارها.. وإن لم يحدث ذلك فعلى أقل تقدير أن يكون هناك اتصال هاتفي من وزير خارجية السودان إلى نظيره المصري ليحمل ذات المعاني.. وقد كان ذلك ما حدث بالفعل وهو ما طمأن القيادة المصرية الجديدة وقتها على أن السودان لا يتدخل أو لا يحاول أن يفرض إرادته على النظام الجديد، رغم ما كان يتردد وقتها أن الرئيس المصري السابق "محمد مرسي" كان حليفاً سياسياً للسودان، ولا نرى ذلك لأنه زار "الخرطوم" بعد أن قام بزيارة عشر عواصم قبلها. ما علينا.. نعود لموضوع الدكتور "أحمد بلال" ونطالب بالوقوف عند سلوك وأسلوب مخاطبة القيادات السودانية العليا من قبل مكتب قناة فضائية لا هي دولة ولا سفارة دولة، وكيف أنها وضعت نفسها في كفة متساوية مع حكومة السودان، في حين أن هناك إدارة صغيرة داخل وزارة الإعلام يمكن للقناة المذكورة أن تتقدم لها بشكواها. وأما ما قاله الوزير فهو حقيقة حتى وإن حاولت الجزيرة أن تقول بغيرها، نحن أهل صحافة وإعلام ونعرف معنى الانحياز المبطن لجهة ما على حساب أخرى، ونعرف معنى وطرق توظيف الأخبار والتحقيقات والتقارير المصورة لخدمة هدف أو فكرة أو جماعة ما. أقول قولي هذا مع كامل احترامي للزملاء في مكتب (الجزيرة) بالخرطوم، وكلهم زملاء وأصدقاء عملت مع عدد منهم في مختلف الصحف والفضائيات ولا أشك في مهنيتهم العالية، لكن هذا لا يعني أنني أضمن عدم استغلال عملهم لخدمة أجندة أخرى.