علي نحو مفاجئ، استقال رئيس البعثة الدولية المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، البروفسير إبراهيم قمباري، من منصبه الرفيع، وبات يلملم أطرافه ومتاعه من أجل عملية التسليم والتسلم بعد الفترة التي قضاها كرئيس لأكبر بعثة حفظ سلام في تاريخ الأممالمتحدة. وحالياً هو غير موجود في البلاد ولكنه سيعود مرة أخرى لتسليم متعلقاته كافة الخاصة بالبعثة بصورة رسمية ومقابلة المسئوليين في الدولة من أجل وداعهم، ويكمن عنصر المفاجأة في أن قمباري نفسه قد أكد، خلال حوار نُشر في (المجهر) مؤخراً، أنه سعيد في منصبه ولا يفكر في الاستقالة. بل إنه ذهب إلى أكثر من ذلك عندما أجاب على سؤال طرحته عليه حول رضاه عن نفسه كرئيس للبعثة، عندما قال: (أنا فخور بما قدمته لشعب دارفور لقد ساعدت اليوناميد أولاً في حماية المدنيين، وثانياً في تسليم المساعدات الإنسانية للمحتاجين، كذلك أعطت اليوناميد المواطنين الشعور بالثقة، وبأن الحكومة والمجتمع الدولي لم ينسوهم، كذلك أصبح الوضع الأمني مستقر بصورة متزايدة، وكذلك عاد عدد من النازحين واللاجئين إلى ديارهم لذلك نحن في بعثة اليوناميد فخورون بأننا ساهمنا في إنجاز هذا الوضع). وعلى الرغم من أن أسباب الاستقالة غير معروفة، إلا أن مصادر تحدثت ل(المجهر) وقالت إن قمباري سيتقلد منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، خلفاً للأمين الحالي أكمل الدين إحسان أوغلو. وقالت هذه المصادر: (إن قمباري وجد الضوء الأخضر للترشح للمنصب الذي سيكون من نصيب القارة الأفريقية وأنه يجد دعماً من دول أفريقية كثيرة منضوية تحت المنظمة الاسلامية). وقالت المتحدثة باسم البعثة الدولية المشتركة، عائشة البصري، ل(المجهر)، إن قمباري تقدم باستقالته للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي قبلها بدوره، وقالت: (لقد قدم الممثل الخاص المشترك وكبير الوسطاء، إبراهيم قمباري، استقالته من منصبيه اللذين كان يشغلهما خلال فترة عمله مع بعثة الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة في دارفور لتكون الاستقالة سارية المفعول ابتداءً من 31 يوليو الماضي. ولقد ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، خلال خطابه الأخير لمجلس الأمن حول الأوضاع في دارفور أن مهمة قمباري ستنتهي في 31 يوليو الماضي، وقدم شكره لقمباري نظير عمله في مهمة حفظ السلام في دارفور). ولم يكمل قمباري فترته والتي تستمر عادة لأربع سنوات، وإنما ظل في المنصب لمدة عامين ونصف العام. وجاء النيجيري قمباري إلى دارفور خلفاً لرئيس البعثة السابق، ردولف أدادا، كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ولكنه ومع مرور الوقت تقلد في الوقت ذاته منصب الوسيط الدولي المشترك بعد أن استقال جبريل باسولي من المنصب. وكثرت الأعباء على قمباري بعد تقلده المنصبين، خاصة وأن أي منصب منهما يُعتبر ذا صعوبة بالغة، فقيادة بعثة قوات حفظ سلام قوامها أكثر من (30) ألف جندي وينتشرون في إقليم دارفور التي تفوق مساحة دولة مثل فرنسا، وعدم وجود أمن في بعض أجزائها، هذا فضلاً عن التوسط السياسي بين فرقاء الأزمة في دارفور الذين يرفض بعضهم مجرد الجلوس على طاولة التفاوض. وليس من الواضح من سيخلف رئيس اليوناميد المستقيل في منصبه، ومتى يحدث ذلك، لكن المتحدثة باسم البعثة اكتفت بالقول: ( سنعلنه للملأ حين تكتمل المشاورات حوله). غير أن تقارير صحافية أفريقية تداولت أسماء أفريقية مرموقة لخلافة قمباري، ومن هؤلاء رئيس الآلية الأفريقية الرفيعة الذي يتوسط حالياً بين السودان وجنوب السودان رئيس جنوب أفريقيا السابق، ثامبو أمبيكي، ورئيس اللجنة الأممية المكلفة بمراقبة استفتاء أبيي سابقاً رئيس تنزانيا الأسبق، بنجامين ماكابا، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لعدة دول، الأخضر الإبراهيمي، غير أن هذا الأخير تم تعيينه كمبعوث للأمين العام في سوريا خلفاً للغاني كوفي أنان. ومهما يكن اسم من يخلف قمباري، إلا أنه لابد أن توافق عليه الحكومة السودانية وتحديداً رئيس الجمهورية، عمر البشير، بعد طلب يتقدم به الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي، كما أفاد بذلك أحد المسئولين بوزارة الخارجية عند حديثه عبر الهاتف ل(المجهر) يوم أمس. وأضاف قائلا: (هنالك اتفاق مسبق بين الحكومة السودانية والبعثة على معايير محددة لرئيس البعثة وأولها أن يكون من القارة الأفريقية وأن يكون محايداً ويحترم سيادة السودان ووحدة أراضيه). وعلى كلٍّ، تبدو مهمة القادم الجديد الذي سيستلم تركة قمباري الثقيلة صعبة إن لم تكن مستحيلة؛ ذلك أن كل الذين سبقوه في هذه المهمة سواء كانوا في رئاسة اليوناميد أو الوساطة الدولية عادوا أدراجهم وهم يشعرون بخيبة الأمل لعدم تحقيقهم ما جاءوا من أجله. وفي هذا الصدد أذكر أنني كنت قد سألت الوسيطين الدوليين السابقين في دارفور، يان اليان، وسالم أحمد سالم، عن شعورهما وهما يتأهبان لمغادرة المهمة في العام 2008 فقالا دون مواربة إنهما يشعران (بالإحباط الشديد) لعدم قدرتهما على إقناع أطراف الأزمة في دارفور بالتوصل إلى اتفاق سلام شامل يوقف حرباً استمرت لأكثر من (9) أعوام وخلفت وراءها عشرات من القتلى والآلاف من النازحين المنتشرين في معسكرات النزوح التي نبتت في معظم أنحاء دارفور. كما أن القادم الجديد سيصطدم بالتعقيدات الكثيرة التي تلف قضية دارفور وأداء البعثة الدولية التي يدور حولها الكثير من الجدل بعد أن فقدت نحو(38) من جنودها وفقدان جنود آخرين وآخرهما جنديان من الأردن فقدا من داخل سوق كبكابية، الأسبوع الماضي! وهذا الأمر ظل محل شك كبير لأداء الجنود الذين جاءوا أصلا لحفظ الأمن وحماية المدنيين، وبات كثير من مواطني دارفور يتندرون بهم ويقولون عنهم إنهم في حاجة للحماية أولا قبل حمايتنا. ومما يزيد الامور تعقيداً أن مجلس الأمن الدولي أضاف مهمة أخرى إلى مهام "اليوناميد" وهي متابعة أنشطة مقاتلي جيش الرب الأوغندي الذين ظلوا يمثلون خطراً كبيراً على كل من أوغندا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطي والكونغو الديمقراطية والذين دخل بعض من مقاتليهم إلى دارفور.