وأنت في خضم مشغوليات الحراك اليومي في الحياة، تشعر بالرهبة حينما تشرب الشمس آخر قطرة من كأس النهار، تصاب حينها بالقشعريرة.. الليل أصبح يمثل كابوساً بالنسبة لك، فيه تعبر الهواجس تخوم الخوف، تجد نفسك في هذا الكائن مثل عصفور هارب من شجرة السنين. تضحك حينما تتذكر أن علاقتك مع هذا الليل كانت في أوج عنفوانها، حينما كان العمر بهياً وخالياً من الثقوب، كنت تعزم فيه نفسك عنوة مثل صعلوك لا يشق له غبار، تستعيد من غرف الذاكرة المجهدة، إدمانك لسهر الليل وكملناه في ظلال عينيك النعسانة، الآن جاء دور الليل الرهيب ليخيفك ويشرع سيوفه رهبة في زوايا نفسك المعتمة. تحاول التصالح مع الليل وتذكره أنك كنت من أساطينه، وأن ثمة خصوصيات منك أصبحت لغة متداولة في الوعي الجمعي للعاشقين وأصحابنا أهل الهوى، لكن تشعر أنه حاقد عليك، ويحمل ضغينة كبرى لا تمحوها، الأيام والليالي. تحاول عبثاً تذكير الليل بمفردات شفيفة عبرت في محطة العمر الجميل: - بعدما عز المزار - الليل سها وملت نجومه الانتظار تسكب في مسامع الليل شجناً من نوع خاص.. شجن ما زلت تشعر معه بنشيج الغصة حينما ينسكب بصوت سيد الغناء السوداني الراحل "مصطفى سيد أحمد": يمكن طيوفك أخريات الليل تمر تملأ البراحات للحزين طول العمر تهمس في غرف الليل بمرثية ما زالت صاحية مثل: الفجرية الهاربة من حصان الصباح وأنقر على بابك أواخر الليل ألاقيك إنتا مافي وأنشد على بابك حزين عز المزار وكل السنين صارت منافي يوووووووه.. يقطع شيطان الليل، أخيراً حينما تجد أن علاقتك مع الليل أصبحت متأزمة، تحمل همومك وتحاول التصالح معه، لكن يا حسرة وحسرتين، لم يبق في النبع غير الوشل، لم تعد أيها الرجل ذلك العاشق الذي كان يتسلطن على طاقة الليل، ويجلب المواويل من أقاصي الذاكرة.. كل شيء يتحول بالنسبة للرجل كطعم مدن الملح، يهرب أحياناً إلى كورجة أصدقائه.. أفراد يمثلون شريحة مختلفة من أطياف الحياة.. قضاة سابقون هربوا من التعسف في السودان.. محامون اكتشفوا حيثيات عملهم في الغربة.. أطباء وجدوا ضالتهم في الأبحاث العلمية وماكينة التطور اليومي في المهن الطبية.. وثمة أشخاص عاديون من الكادحين في الأرض.. تهرب إلى هؤلاء ولكن تعود وأنت تحمل خفي حنين لتسهر وحدك حتى مطلع الفجر.