(1 ( تمضي وزارة النفط قُدماً نحو الإيفاء بما عليها وهي تنحت الصخر لإرساء دعائم صناعة نفطية تكون ممولاً لصناعة زراعية، فالزراعة هي الذهب الأخضر الذي لا ينضب معينه.. الاكتشافات النفطية أو بالأحرى زيادة الإنتاج النفطي فعلياً ليست فائدتها في زيادة عائدات السودان من العملات الصعبة فحسب، ولكن فائدتها في أنها سلاح فعال ضد الخارج المعتدي، وهي سلاح ليست كسائر أسلحة الدمار والقتل، فهي سلاح صديق للسلام، مثلما هناك مواد صديقة للبيئة كما يقول المهتمون بشأن البيئة.. دكتور "عوض الجاز" وصحبه في صناعة النفط ماضون في دعم الأمن الوطني بهذا السلاح (الفتاك).. لكن سلاحاً (فتاكاً) آخر صديقاً للسلام لا تعيره الدولة اهتماماً، وهو سلاح الإعلام.. الإعلام أضعف الحلقات التي تشكل الأمن الوطني.. المؤسسات السّياسية تحتاج إلى الخطاب الإعلامي لإنجاز خمس وظائف أساسية: الوحدة الوطنية، إضفاء الشرعية، التوجيه، حل الصراعات وتنفيذ السياسات.. إن كان الخطاب الإعلامي متسقاً مع المبادئ والأهداف يمكن أن يُساعد على توحيد الرؤى وبلورة الرأي العام حول القضية الوطنية. (2) اليوم تتحول معركة الإعلام لكسب أفئدة وعقول الجمهور الداخلي والخارجي إلى تهافت مزدحم لوكالات الأخبار الغربية لنقل الأخبار باللغة العربية.. هذا "جيري تيمينز" رئيس عمليات (BBC) العالمية في أفريقيا يعبر عن هذا التهافت بقوله: (لم أعد أستطيع إحصاءها، هناك إعلان عن قناة جديدة كل أسبوع حتى باتت الموضة في هذه الصناعة).. "محمد حسنين هيكل" الأسطورة الإعلامية المعروف وهو بلا شك مرجعية مهمة يقول: (ما فيش إعلام لوجه الله)، وهذا يفسر الكثير مما يقوم به الإعلام الغربي تجاهنا، ويفسر بشكل أكثر تحديداً قيام قنوات أجنبية ناطقة باللغة العربية وموجهة إلى المنطقة العربية؛ فهو من ناحية يكرس لصورة نمطية مكروهة لدى الغربيين، ومن ناحية أخرى يريد من العرب المكروهين لديه أن يحبوه وتكون صورته لديهم إيجابية!! القوة الجبارة، التي تتمتع بها الولاياتالمتحدة، اقتصادياً وعسكرياً، لم تمنعها من العناية بسلاح الإعلام.. حتى صورة أمريكا الشائهة لدى العالم الخارجي لم تفت في عضدها وتقعدها عن المضي قدماً في محاولات السيطرة على العقول والأفئدة.. يقول "ديفيد بولوك" وهو دبلوماسي أمريكي سابق وأستاذ زائر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: (لا نستطيع أن نقلب الصورة ونجعل أمريكا محبوبة.. هناك خلافات حقيقية، ولن يمكن لأي قدر من البرامج الذكية أن تغير هذا الوضع).. الرجل يتحدث عن قناة الحرة الأمريكية باعتبارها فشلت في تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله.. المعلوم أن المجهود الإعلامي الأمريكي نحو الجماهير العربية أخذ بالتطور والتبلور بشكل لافت للانتباه، وبصورة تتماشى مع تصاعد المجهود الحربي الأمريكي في المنطقة.. وأصبح بالإمكان توفير مخصصات مالية سخية من الكونغرس لصالح برامج الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية الأمريكية.. لقد اختير اسم (الحرة) لقناة فضائية جديدة وهو اسم بديع، يبدو أنه امتداد للإعلام الأمريكي الموجّه كإذاعة أوروبا الحرة، وراديو الحرية التي وجّهت إبان الحرب الباردة نحو الكتلة الاشتراكية. (3) هل المجهود الإعلامي السوداني، لا أقول قادر على مبارزة الإعلام الغربي أو الأمريكي فتلك غاية عزيزة، ولكن هل هو قادر على التبشير بمقدراتنا الاقتصادية والثقافية وحتى استنهاض همم الإنسان السوداني وتحريضه على التنمية؟؟ أعتقد أن الإجابة وبكل صراحة (لا).. لكن هل إعلامنا جزيرة معزولة عن سياقات الفشل الذي نعاني منه في مجالات كثيرة حيوية؟؟ الإعلام جزء لا يتجزأ من الفشل السياسي الذي يضرب بأطنابه في جسد الوطن العليل.. الإستراتيجية الأمريكية بشأن السودان لم تتغير منذ عقود طويلة، ولن تتغير وإن تعددت الشعارات أو تنوّعت الأساليب وأشكال التعبئة الإعلامية والنفسية والذهنية للرأي العام العالمي بمؤسساته ومنظماته ومكوّناته المختلفة.. هذا واقع مفروض علينا لكن نخشى ما نخشى أن يكون معين الحلول الذكية والمبتكرة لمشكلات البلاد المعقدة قد نضب لدى (كابينة) قيادة الدولة!! • آخر الكلام: هل فهمت دولة الجنوب قول المسيرية إن (السماء أقرب إلى جوبا من أبيي)؟!