شكت لي احدى شقيقاتي معاناتها من الدبرسة التي تدفعها للاسراف في الاكل، أخبرتني بأنها لا تستطيع مقاومة الرغبة في الاكل التي تزداد لديها بزيادة شعورها بالضيق أو الزهج فتقضي يومها في حشو السندوتشات والتهامها في الطالعة والنازلة .. دفعتني شكواها لمحاولة استقصاء اثر الحالة النفسية على الرغبة في تناول الطعام والتي تختلف من شخص إلى آخر .. ف أنا مثلا اعتزل الطعام وتقل شهيتي للاكل بصورة درامية عند معاناتي من اي اضطرابات نفسية ناتجة من دبرسة أو حزن أو حتى الغضب، ف كلما (قفلت معاي) سارعت معدتي بمشاركة قلبي وعقلي الاحزان، وقفلت (فمها) في وجه الطعام. بالمقابل فان لي صديقة عزيزة بنفس طباع شقيقتي، كنت واياها نتشارك السكن ابان دراستنا الجامعية، فكانت كلما دهمتها أحزان الغربة وجرفتها أمواج الدبرسة تقوم باحضار(حلة الملاح) وكيس العيش وتضعهما على السفرة، ثم تجلس لتأكل بالساعات حتى أضطر لنزع (الحلة) من بين يديها وإعادتها للتلاجة خوفا عليها من التهلكة، فتستجديني بالدموع احيانا: عليك الله خليني النتفشى في الأكل. ادهشتني نبرة التحامل على طريقة الرجال في الاكل، التي ساقتها صديقتي الجديدة والعزيزة (فاطمة كرار) – الحمد لله طلعت شخصية حقيقية وليست وهمية ك نادية عابد (مفيد فوزي) وايمان محمد الحسن (حسين خوجلي) – فقد اخبرتها باني ولاصرارها على حرماننا من رؤية صورتها، كنت أحسبها رقم (صفر) زعيم الشياطين التلتاشر الذي لا يعرف حقيقته أحد، إلى أن تكرمت هي بارسال رسالة رقيقة على بريدي الالكتروني تحمل محبتها ورغبتها في التواصل واعقبتها بمكالمة تلفونية، حينها فقط تأكدت بان الرائعة (فاطمة) حقيقة وليست خيال .. اتمنى ان تكون بيننا في مقبل الايام (خوة ومروّة). نرجع ل ما حسبته تحاملا منها على طريقة أكل الرجال وانهم كائنات بطينّية لاهم لها سوى الأكل، وللحقيقة فأن الصاق تهمة (البطينّية) بالرجال دونا عن النساء فيه نوع من التحيز غير المنصف، فنحن نعلم أنه في المناسبات مثلا عندما يتحلق الرجال حول الصواني يقومون ب (مجازفة) الاكل دون التركيز على احسان المضغ أو (اللواكة)، ولحس الصحانة في ثواني ثم الانطلاق لغسل الايدي حامدين شاكرين .. وبالمقابل نجد أن جلسات النساء حول صواني الاكل تطول وتطول وقد تجر لساعة كاملة، يمارسن فيها الاحسان في المضغ والبلع، والحسنة في قش الصحانة وطلب الزيادة ثم المزيد على طريقة (أوليفر توست) .. وقبل الهلاك بالتخمة ينجبرن على القيام لغسل الايدي وغالبا لا يكونن حامدات ولا شاكرات، فلابد من شيء من النبيشة وبعض الشناف لجودة الطبخ أو قلة الاكل حتى تكتمل متعة الوجبة .. غايتو يا (فطوم) ما تشدي على الرجال، أنا لو (ملوني اضنين) ما بصدق انو كروش النسوان دي حمل وولادة ساكت بس !! أما بخصوص الأكل عند الشابات فقد أحيت الاجيال الجديدة نظريات حبوباتنا الزمان والتي كانن يحفزن بها البنات الصغار على عدم الاسراف في الاكل بالقول: (الفتيل ما بشيل كتير) و(السمح مو أكّال) ويغنن لممشوقات القوام: يا السمبتيك .. أنا روحي فيك منو الببيعك .. أنا بشتريك ولكن للاسف كان كل هذا التحفيز للرشاقة ينتهي بمجرد أن يطرق طارق العرسان باب البنيّة السكّرية، فسرعان ما تنسى الامهات كلام الرشاقة ويعمدن للكلف والعلف عملا بسياسة ( رفع الكورة) لنفخ وتسمين البنيّة. كذلك نلاحظ الاختلاف في طريقة الاكل لدى الرجال عن النساء، فبينما يعمد الرجال لسياسة (أكل السراع .. عجل على عجل) بتكبير اللقم وتقليل وقت تناول الطعام، على طريقة بيت الدوبيت اللطيف عند أهلي ناس الجزيرة: اللييييييلة .. اللييييلة يا أخويا .. الملاح ملاح لوبة واللقمة قدر الطوبة !! تفضل النساء خوفا من النبيشة أن تنتهج سياسة (أكلنا على مهلنا .. قيّلنا وفطرنا ومتراوحين أهلنا)، فتصغر اللقم وتطيل وقت الجلوس على موائد الطعام .. طبعا هنا الحرفنة الما ناقشينّها الرجال، فالاكل البراحة براحة وصغار صغار ينزل للمعدة شبة مهضوم وتكون الاستفادة منه أكثر من اللبع الكبار الذي يسبب تلبك المعدة، وان كانت بعض النساء ومن وراء الظهور تستخدم طريقة اللقم الطوبية عندما يأمن من عين الرقيب .. كانت لنا قريبة متمارضة كثيرة الشكوى من علل وهمية تجعلها تتوهم دنو أجلها، وتدلل على ذلك بأنها قليلة الاكل وما عندها ليهو نفس بالقول: غايتو أنا ما قاعدة آكل غير تلاتة لقمات في الوجبة بالاعتراف. فتداعبها قريبة لنا أخرى خفيفة الظل: آآآي ياهن تلاتة لقمات .. لكن اللقمة قدر راس العتوت !! لطائف - صحيفة حكايات [email protected]