الزواج سنة الله التي تتوافق مع الفطرة (ومن أياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) صدق الله العظيم، ليس للإنسان وحده ولكن لكل صاحب كبد رطبة، فقد قالت حبوباتنا في ذلك: العرس إن طروهو للفار في جحرو .. فِرِح منذ الطفولة المبكّرة تكون أحب ألعاب الفتيات الصغيرات هي تغمص دور العروس، فقد كنا في طفولتنا مجموعة من بنات الحي نجتمع يوميا ونختار من بيننا عروس اليوم، ثم نقوم بتزيينها بكل ما يقع في أيدينا من كشاكيش وحلي وأساور ثم نحفّلها بأن نضيف إلى زينتها الذهب عيار ال (بينسون)، وذلك بأن نجمع علب سجائر البينسون الفارغة للنزع منها غلافها الداخلي الذهبي اللون، ونطويه في شكل أساور ونثبت أجزاء صغيرة منه في رأسها ليحاكي دهب الراس أو (الجدلة)، وبعد أن تتحول الصغيرة إلى طبلية هتش وكشاكيش تمشي على قدمين، نحضر جردل البلاستيك ونبدأ في الغناء وتظل عروسنا وسط الدارة ترقص حتى تنبري أمها أو احدى أمهاتنا بالنقنقة على طريقة ود اليمني : (أمها نقنقت وقالت فتّروها) فينفض جمعنا السعيد على وعد باللقاء في يوم جديد وعروس جديدة وهذا دواليك .. أما الصبيان فما أن ينتقل أحدهم من مرحلة الحبو على أربع، ويشب واقفا على قدمين حتى يتلفت باحثا عن شريكة حياته، وذلك عندما يسمع من أهله الكبار ترشيحاتهم ودعاباتهم عن (فلانة عروس فلان)، فيبدأ من فوره الدخول في منافسات الصراع على قريباته وبنات حيّه الحلوات، ويقاتل حتى يظفر بثنائية تجمعه ب (أجمل الحلوين) .. بينما كنت منغمسة في شأن من شؤون مطبخي، تناهت إليّ أصوات شمطة مدورة بين العيال فمددت رأسي لأسأل عن الحاصل .. لاحظت أن أصغر القوم يقف في مواجهة أخيه الأكبر وقد بانت على ملامحهما علامات التحدي ك ديكين منفوشي الريش .. كان (أيمن) يصيح بعصبية وفوران دم: لولي دي عروسي أنا .. انت بتتشبّك مالك ؟ بينما يدفع (أسامة) بأسانيد ليدعم بها رغبته بالتكويش على ابنة خاله العسولة تاركا لشقيقه ابنة خالتهم التي لا تقل عن سليفتها عسلا: انت ما بتفهم؟ لولي دي ما قدرك .. أخير ليك انت تعرس صبّوحة ! دخلت شمال لأهدي اللعبة وسألت: مالكم يا أولاد هايجين ؟ فتعالت أصوات الجميع لشرح تفاصيل الشمطة، التي اندلعت عندما تجرأ (أسامة) وصرّح برغبته في خطبة ابنة خاله المحجوزة أصلا لأخيه الأصغر (أيمن)، ودعم حجته ب: (لولي قدري وبتنفع معاي .. خلّي أيمن يعرّس صبوحة عشان صغيرونة قدروا !) فقاطعه الصغير محتجا: (لولي حقتي أنا .. أمشي انت عرّس صبّوحة) حاولت التدخل لاقناع الصغير بقوة منطق شقيقه الأكبر علّه يرضى بالاستبدال، ولكنه رفض بشدة فسألته في حيرة: انت ليه مصر تعرس لولي ؟ فألقمني ب: (لأنو لولي عندها لعبات كتيرة وبتلعّبني معاها) !! اجابة الصغير جعلتني أفكر في اضافة سبب وجيه تنكح من أجله البنات، فقد كان القتال بين الصغيرين ال (ما قاموا من قعر الواطة) حول أيهما يظفر بذات اللعبات لتترب يداه !! كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج وتأخر في سن الزواج، كما كتبت عزيزتي (بت كرار) عن أفضلية المتأخرات عن قطار الزواج عن غيرهن، وقولها على طريقة (حنفي يحبذ) أن أولئك الفتيات يحبذن حياتهن بتلك الصورة ولا يرغبن في تغيرها !! هناك أغنية جميلة لعلها للراحلة (أماني): ابتعدت عني مالك رسلت لي خيالك انت نور عيوني .. وداري بالعليا .. داري بالعليا وحارمني من وصالك مالك ؟ مالك ؟ على طريقة الأغنية نقول، لم يعزف الشباب عن الزواج فتلك فطرة فطر الله سبحانه وتعالى عليها الإنسان السوي، ولكن الزواج هو من عزف عن الشباب وابتعد عنهم بعد أن أرسل لهم خيالاته لتؤرق ليل عزوبيتهم الطويل ... نرى شباب اليوم محاصر في مجتمعه فهو أما عاطل عن العمل أو من ذوي الدخل القليل الذي لا يسمن ولا يغني عن جوع دعك من أن يحقق آماله في الزواج .. ضف إلى ذلك (الجائحة الفلسية بسبب الأذمة الإقتصادية) والتي أطاحت بأحلام (عشة صغيرة كفاية علينا) التي كانت تراود خيال العدمانين في الزواج بأقل الإمكانات .. مع نسيان الجميع لمعنى (أقلهن مهرا أكثرهن بركة) والمطالبة بمهور ذات أرقام سداسية الأصفار بالقديم، بالإضافة لمشقة توفير المسكن والملبس و المعيشة الكريمة للزوجة التي ظلت تنتظر فارس احلامها ولا ترضى أن تصوم لتفطر على (بصلة مفلّس) ! هناك فئة من الشباب أيضا فقدوا الثقة بأنفسهم ولم يتعودوا حمل المسؤولية ولا يريدون ان يخاطروا بذلك، بحجة أن الزواج مسؤولية وارتباط ومتطلبات وواجبات ووجع دماغ لا داعي للدخول في معمعتها .. ولكن ذلك لعمري فقة الكديسة التي عجزت عن بلوغ اللحم المشرور في الحبل فقالت: عفن !! لم أكن أحسب أن عيالي قد ورثوا الشفقة على العرس من أهل أبيهم، حتى حكوا لي أن ابن عمهم الصغير (مصطفى) كان يتمدد بجوار أمه في الحوش ساعة صفاء، فقال لها مهموما وهو يراقب حيطان الحوش غير المعمّشة: يا أمي حقو تكلمي أبوي عشان يرمّل لينا البيت فسألته أمه محتارة: مالك علي البيت داير ترمّلو . فأجابها بشحتفة: عشان خلاص داير أعرس !! لطائف - صحيفة حكايات [email protected]