مسرح نادي الضباط بقلب الخرطوم يقف على قدم واحدة لتحية تلك السيدة التى توشحت بثوب ابيض نقشت عليه بضع دوائر سوداء، وذات المسرح يغلي كالمرج، وتلك السيدة ترفع ساعديها عالياً قبل ان تلصقهما سوياً في حركة ربما لاتحتاج لأي تفسير، فيكفي تطبيق كل الموجودين بالمسرح لها، لتعرف بأنها حركة (الحواتة) الشهيرة، قبل ان تعرف ان تلك السيدة ماهي الا الحاجة فائزة محمد طاهر والدة الفنان الاسطورة الراحل محمود عبد العزيز. نعم...اقتحمت الحاجة فائزة نادي الضباط بالخرطوم خلال الحفل الاخير لفرقة عقد الجلاد، ومنحت المسارح بعض البريق الذى فقدته برحيل ابنها، وكأني بذات المسرح يهمس لفائزة في تلك الليلة ويقول: (اني اشتاق لمحمود).! تجلس الحاجة فائزة وسط جمهور عقد الجلاد محاطة برعايتهم وبإهتمامهم وبدموع البعض منهم والتى تفر خلسة كلما وقعت ناظريه على ملامح تلك السيدة الاستثنائية، والتى تكمن استثنائيتها في مقدرتها على انجاب كل تلك الموهبة وكل ذلك الابداع الفطري. البعض كان يقترب من حاجة فايزة ثم يقبل رأسها وكأني بهم يحاولون اشتمام رائحة (الحوت) بين طيات ملابس تلك المرأة، اما آخرون فقد توقفوا خلفها مباشرة وهم ينظرون اليها في اعجاب وتقدير، يكفي ان يكون دافعه الرئيسي انها والدة اسطورة الفن الشبابي محمود، والذى رحل تاركاً في القلب جرحاً لن يندمل قريباً. وعقد الجلاد...وكعادتها...كانت حاضرة في مواقيت الوفاء، فقد غنت (الفات زمان) وفاء لروح الراحل بالرغم من انها لم تكن مدرجة ضمن الاغنيات التى يفترض ان تقدم خلال ذلك الحفل، ولكن إطلالة حاجة فائزة، لابد ان تنال جانباً من الوفاء، والذى بات عملة نادرة في زمان مثل هذا، كل الناس فيه تلهث خلف مصالحها وتركل المبادئ والقيم السمحة. جدعة: شكراً حاجة فائزة لتلك الاطلالة التى اعادت لنا ذكريات (حوتة)، شكراً لك وانت تنتزعين الدموع من اعيننا بلا حول ولاقوة، لنغسل بها ماتراكم من درن الحزن المستوطن في دواخلنا منذ ميقات الرحيل، شكراً عقد الجلاد على الوفاء، وشكراً لجمهور عقد الجلاد على ذلك الاحترام والتقدير الذى يكنه لمحمود عبد العزيز، وهو يستحق. شربكة أخيرة: بسأل عليك...لاملت اشواقي السؤال..لاارتاحت الخطوة الحزينة.! الشربكا يحلها - احمد دندش صحيفة الأهرام اليوم