لو تأملنا عادة التعلق بالأشياء والقيم حد الاحتفاء الزائد عن الحد (الأوفر) بها، ببسط نظرية (مارى أنيسورث) الابتكارية القائمة على الملاحظة التي تمت مباشرتها بدقة، وبتطبيق مبدأها الشهير ب(بروتوكول الموقف الغريب)، لقياس وتقييم التعلق الشديد للشعوب بصفات وخصال حتى يحسبونها خلقت لهم وخلقوا لها، ولا أحد غيرهم متمسك بها مثلهم.. على خبر راعي (يو تيوب) السوداني، وما نجم عنه من تداعيات احتفائية كبيرة (حد الترويع) بسلوكٍ كُنا نعتقد إلى وقتٍ قريب – ولا زال جُلنا - يعتقد ذلك إلى اليوم - أنه عادي جداً، وسمة غالبة في مجتمعنا، فما فتئنا نردد ملايين الأزجال والمواويل عن أمانتنا التي لا تُضاهى، حد وصلنا حداً ننفي فيه من يخون الأمانة عنّا ونلقيه من على عواتقنا وننكر انتماءه إلينا. إذاً، من الطبيعي في مجتمع كهذا أن يرفض الإنسان – أي إنسان – راعياً كان أم وزيرا أم (صحافياً شهيرا)، خيانة الأمانة، ولا تغرينه للتخلي عنها (أي الأمانة) أموال قارون ولا كنوز سليمان، ولا تهتز شعرة واحده من أمانته حتى ولو أغروه بوضع الشمس على يمينه والقمر على يساره، وطالما أنه شب على شيء، فالاحتمال الأرجح هو أن يشيب عليه. لكن – للأسف – كشف هذا الاحتفاء ذو الخصائص التسونامية عن أننا وجدنا في أمانة راعي الغنم (الذي لا يتذكرها) هو نفسه، عزاءً لنا، حتى كتب بعضنا أن الراعي (أعاد لنا الثقة في أنفسنا)، ولم تدخر الصحف والفضائيات والونسات اليومية (ثانية واحدة) إلاّ وأراقت مدادها وأزربت لسانها في الحديث عن أمانة (الراعي). كل هذا الاحتفاء، يشير بوضوح إلى أننا لم نعد – كما كنا – لم نعد (شعب الله الأمين) – كما نعتقد، فلو كانت الأمانة عندنا ك(شربة ماء) لما استفحشنا في الاحتفاء ب(أمين واحد) على هذا النحو الدرامي المهول، ولما شعرنا جراء (مقطع فيديو) صغير، بكل هذا التوازن النفسي وكل هذه الحماسة، لكننا نشعر في دواخلنا بأننا لسنا كما ندعي، لذلك يتفاقم ويتعاظم عندنا سلوك التعلق بالقيم الفاضلة. وهذا النوع من التعلق إذا ما أخضعناه لإجراءات (بروتوكول الموقف الغريب) وهو معيار علمي يُقاس به (التعلق عند الأطفال)، لكن يمكن تطبيقة على الكبار، وحتى على (الحيوانات) بحسب (أنيسورث)، إذا ما أخضعنا هذا تعلقنا بالقيم النبيلة وترويجنا على أنها خاصة بنا – فقط لا غير – دون سائر العالمين، مع أخذ نموذج (فيديو الراعي) في الاعتبار، نجد أن هذا النوع من التعلق يقع ضمن البرتوكول المشار إليه في بند يسمى (التعلق المشوش وغير المنتظم)، وهذا يعكس خللاً هيكلياً في ما يسمى باستراتيجية التفاعل المترابط. وبسبب هذا التعلق المشوش بالقيم والأخلاق، الذي ينتج عن أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية بائسة افتقدت التعلق بتلك القيم إلى نظرة استراتيجية تفاعلية مترابطة فبدا الاحتفاء بها ك(استعاضة) عن فقدانها، أو هكذا بدا لي هذا الهرج الاحتفائي العظيم بأمانة الراعي. الحصة الأولى - صحيفة اليوم التالي