* بعيداً في المدينة النيلية تلك كنا نعشق شجرة الزونيا الشهيرة بجوار الشاطئ..ٍ * كنا تلاميذاً في المرحلة الابتدائية يجمع بيننا - الى جانب ضروب من العشق أخرى - عشق الشجرة المذكورة.. * ورغم أنها لم تكن ذات صلة بالشجرة التي أخرجت أبوينا من الجنة إلا أن (الكبار) كانوا يصيحون فينا كلما علموا بممارستنا للعشق ذاك: (ألم ننهكم عن تلكم الشجرة ؟) .. * أما صنوف العشق الأخرى تلك التي كنا نمارسها فهي (الدافوري) ، وتسلق الجبل، ومشاهدة الأفلام مع (الخواجات) مساء كل خميس.. * ومن الأفلام المترجمة هذه عرفنا مصطلح (ممارسة الحب !!) .. * ولكن ما كنا (نمارسه) من حب - أو عشق - نحن لم يكن ذا صلة ب (الممارسة) السينمائية هذه.. * ثم إن (كبارنا) هؤلاء ما كانوا (يُحرِّمون) علينا من هواياتنا المشار اليها تلك كافة إلا الخاصة منها بشجرة الزونيا.. * ولم نكن نعلم سببا لذلك (وجيها) .. * فقد كنا نراها شجرة (وجيهةً!!) جداً ذات ظلال يحلو اللهو فيها .. * ثم إن تسلقها يتيح لنا متعة التحديق في جمال النيل من علٍ والمراكب تسبح بين الشاطئين جيئةً وذهابا.. * وفضلاً عن ذلك فإن ثمارها كانت في نظرنا أحلى طعماً - وشكلاً - من عنب جنينة حاج الريح.. * وحاج الريح هذا - للعلم - هو الذي كان يُقال عنه آنذاك: (ليس أجمل من عنبه إلا بناته) .. * وبما أنه لم يكن لنا في بناته (من حق) - حاج الريح هذا - فقد قلنا إن ثمار الزونيا كانت (أحلى) من عنبه، ولم نقل: (من بناته) .. * و (الحق) الذي أشرنا إليه هذا مرده الى صغر أعمارنا وليس إلى الذي عناه قوم لوط في الآية التي اقتبسنا منها البلاغة التوروية هذه.. * وما زال كاتب هذه السطور يذكر كيف أنه أجهد ذهنه - وقتذاك - في فهم الصلة بين (البرتكان) و (النهد المدردم) في رائعة وردي (القمر بوبا) .. * ثم تشاء الصدف أن يجيء وقت تتسع فيه دائرة عدم الفهم هذه تجاه (صلات!!) بين أشياء عدة... * بين (ممارسة الحب!!) - مثلاً - كما فهمناه عبر أفلام سينما (الخواجات)، وما كنا (نمارسه) نحن من ضروب الحب المذكور.. * وبين البرتقال والنهود... * وبين العنب وبنات حاج الريح... * وبين المانجو و (المنقة البشرية!!) التي أسفل شجرة الزونيا.. * وقد كان ذاك في ليلة مقمرة تخيرناها لممارسة عشقنا (الزونيوي!!) بعيداً عن أعين (الكبار) .. * وهي الليلة التي علمنا فيها لِمَ كان الكبار أولئك ينهوننا عن تلكم الشجرة.. * فما أن طاب لنا المقام أعلى شجرة الزونيا - مجلساً ومطعماً ومنظراً - حتى أحسسنا بأن ثمة رفقةً لنا (غير مأمونة!!) .. * كان ذلك أسفل الشجرة عند الجزع.... * ثم سمعنا شهيقاً وزفيراً و (همهمات) .. * وما استطعنا تمييزه من كلمات - في خضم (اللهث!!) ذاك - كان ربطاً بين (البرتكانة والنهد المدردم)، وبين (المنقة واللون)، وبين (العنب والشفاه) .. * ومن بين الأغصان والفروع والظلال حاولنا أن نبصر ما يحدث أسفل الشجرة دون أن نصدر أصواتاً تدل على وجودنا .. * ونجحنا في ذلك بفضل ضوء القمر.. * وتجمدت الدماء في عروقنا... * فلم يكن هنالك برتقال ولا عنب ولا مانجو ولا يحزنون.. * ولكن كانت هنالك (ممارسةٌ للحب!!) غير ذات صلة بما هو معهودٌ لدى (البشر) .. *أو بالأحرى ؛ لم يكن هنالك من (بشرٍ!!) أصلاً ...... * أما نحن فلم نعد (نمارس حب!!) شجرة الزونيا منذ اليوم ذاك .. * فقد غدت - بالنسبة لنا - (الشجرة الملعونة !!!!!!) . بالمنطق - صلاح الدين عووضة صحيفة الصيحة