- كانت تجلس امام التلفاز بجلباب منزلي فضفاض .. تعاني من زهجة الصباح وعدم الموضوع بعد خروج كل أهل البيت لاعمالهم ومدارسهم .. لم يتخلف غير امها وشقيقها الصغير المصاب بالحمى وهي حالة كونها ال عاطلة بدرجة بكاليريوس وراجية الله في كريبة ديوان شئون الخدمة ولجان التعينات .. نادتها امها بلهفة فقد زادت الحمى على الصغير ونفد شراب البندول، ودعتها للنزول مسرعة لاقرب صيدلية لتتناول منها دواء خافض للحرارة، فلفحت اقرب ثوب من طرف دولاب امها وتكلفتت به ثم انطلقت لا تلوي على شيء .. في الطريق انتبهت لحالة (البشتنة) الشديدة التي خرجت بها للشارع العام .. جلباب منزلي قديم ووجه عاطل عن المساحيق وتوب مكرفس قديم ف (تبلمت) مخافة ان يعرفها أحد واسرعت بالدخول للصيدلية .. تناولت الدواء وقبل ان تهم بالمغادرة دفع الباب ودخل .. جارهم في (حلة ورا) المغترب منذ سنوات طويلة في دولة اوروبية .. عرفها رغم البلامة والكلفتة وحياها بحكم صداقة كانت تربطه باشقائها الكبار .. لمح الدواء في يدها فقال مستفسرا (سلامتكم ؟) فاخبرته بحمى شقيقها الصغير فدعى له بالشفاء ووعدها بالزيارة لمعاودته والسلام على اصدقائه القدام .. انقضى شهر اجازته فمدها لشهر آخر في نهايته كان يتأبط يدها ويصعد بها سلم الطائرة وهي بزينة العروسات .. انتهت معاناتها من العطالة وانتهت معاناته من وحشة الغربة بشريكة تؤنس مقبل ايامه ولياليه .. كل ما تبقى ل (المتاعيس) من ورائهم هو الجري في حيرة بحثا عن اجابة السؤال .. كيف اقتنع بها وقد عرفت بين قريناتها انها محبة للحياة والقشرات والحفلات ومتع الشباب البريئة، وصلواتها تتراوح بين (الدك) و(نقر الغراب)، بينما عرف عنه الهدوء والتدين والالتزام حتى انه كان يشترط على شقيقاته في رحلة بحثهن له عن عروس، ان تكون ملتزمة باداء الفرض في الميقات ولبس الحجاب .. في لحظة صفاء اسر لها بأن أول مالفته لها كان ادبها وحشمتها وحرصها على ضرب البلامة على وجهها يوم الصيدلية، فأسرّتها في نفسها ولم تبديها له وقالت تحدث نفسها في حكمة عجوز سبعينية: الادتو القسمة مين بيحرمو .. ومجبورة خادم الفكي علي الصلاة !! - صغيرة كانت هي في طاشراتها السعيدة، رغم (فوران) جسدها بفعل طور المراهقة الذي اكسبها طولا فارعا وبضع كيلو جرامات اضيفت لثناياها .. كانت منهمكة في كنس الحوش وقد علاها الغبار في ذلك الصباح الباكر، علها تنتهي من عبء النضافة قبل ان ترتفع الشمس لكبد السماء، ولسانها لا يفتر من النقة على امها عن شقاء الاجازة التي تقضيها في الاشقال الشاقة المنزلية، على العكس من رفيقاتها المنعمات اللاتي يقضين اجازاتهن خارج البلاد .. طرقات عصا (سيد اللبن) على الباب قاطعت احتجاجها، فانتهرتها امها ودعتها لتسرع بلفح التوب وتناول اللبن لغياب اشقائها الصغار، وقد قامت بمطاردهم – من قبل -بالمقشاشة بعد ان اعادوا لها الاوساخ فخرجوا ليلعبوا في الشارع كما حكمت عليهم .. رمت بالمقشاشة ولفحت التوب وتبلمت به جيدا ثم حملت البستلة وتوجهت لفتح الباب الذي احتج وارتج لكثرة ما انهالت عليه من طرقات سيد اللبن بعكازه المضبب .. مدت البستلة ليسكب عليها اللبن في صمت وقد غطت وجهها ب البلامة حتى لم يبد منها سوى عينيها الكحيلتين .. لم ترفع راسها طوال لحظات وقوفها ولكن عندما همت بالاستدارة لتدخل للبيت التقت عيناها بعيني عابر طريق .. طالب ماجستير في علوم الدين كان ينزل مع اقربائه جيرانهم في الحي، لحين اكماله للامتحانات ومناقشة الرسالة ليعود لوظيفته التي تنتظره ب المملكة .. بجانب الشهادة كان يتأبط ذراع الصبية الصغيرة الفرحة بحالة كونها تلعب دور العروس .. رفض والدها لصغر سنها وتمنعت والدتها خوفا على تعليمها الذي لم يكمل خطواته الثانوية وابت هي – في البدء – ان تناقش مجرد الفكرة بحجة (لسه صغيرة في سني والريد بعيد انا مني) ولكنها سرعان ما رضخت لسحر الفكرة .. عرس واغتراب وعريس لقطة وجذاب وفوق دا كلو من ذوي الالباب .. وافق والدها مرغما واشترطت امها ان يساعدها على اكمال تعليمها وتغنت هي مع صويحباتها جزلا: لو عرسك انت مسطر .. لو اتكتب واتقدر .. موافقة لو ياذاني منى سلمان [email protected]