*وليس المقصود هنا ثوابت الإنقاذ التي لم يبق منها شيء سوى الإنقاذ نفسها.. *أو الإنقاذ وغالب شخوصها عدا الذين ذهبوا منهم إلى رحاب ربهم.. * أو الذين ذهبوا إلى ما وراء الستار (الوهمي!!).. *ولكن المقصود هو شيء غير بعيد صلة بالإنقاذ هذه كما سيتضح لاحقاً في سياق كلمتنا اليوم .. أو هما شيئان - تحرياً للدقة - (يتحركان) حركة عكسية مناقضة لمفردة (الثوابت).. *فمما كنّا نعجب به في بدايات دراستنا للفلسفة التساؤل عمّا إذا كان الوجود ثابتاً أم متحركاً .. *وما زلت أذكر إلى الآن محاضرة الدكتور الشاروني تلك التي تحدث فيها عن فلسفة زينون الإيلي.. ثم إذا بالأستاذ ينتصب واقفاً - فجأة - حين بيلغ الجزئية الخاصة بخداع النظر إزاء حركة السهم.. *وقد تساءلت في سري حينها ما إن كان المحاضر وقف لأنه منفعل بنظرية الفيلسوف اليوناني أم لأنه مصاب بالبواسير؟!.. *وعلى عكس زينون الإيلي كان الفيلسوف هرقليطس يتبنى فرضية صيرورة الوجود .. *فالوجود في رأي هرقليطس هو في حركة دائبة بحيث أنه الآن خلاف الذي كان قبل لحظات .. *كنّا في غاية الإعجاب بالذي نسمعه هذا.. *وفي الوقت ذاته كنّا في غاية التعجب أن الحياة تسير سيرها الطبيعي خارج قاعة الفلسفة.. *وحين سألت مرة جارنا يوسف إن كان (يحس) أنه ثابت أم متحرك قال إن الشيء الوحيد الذي يحس به هو ضرورة ان (أتلحق!).. *ول(حقت) نفسي فلم أعد أنقل ما يدور في قاعة الفلسفة إلى الشارع.. *وإذ تصلح المقدمة هذه في ظني أن تكون بمثابة (فلاش باك) لما أنا بصدده الآن أقول إن حالة الشك تلك (تاورتني) من جديد.. *فقد صرت أتساءل الآن بكل براءة الدهشة التي كانت تتملكنا في بدايات دراستنا للفلسفة.. *صرت أتساءل: أثابت هذا الوجود أم متحرك؟!.. *فمنذ خمسة وعشرين عاماً عاماً وكل شيء في السودان يبدو(ثابتاً !!).. *كل شيء يبدو كما (هو!) - طوال السنوات هذه - إلا شيئاً واحداً يصبّ في صالح فرضية الحراك التي تبنّاها هرقليطس.. *شيئان فقط هما اللذان (يتحركان!) ليدللا على أن هرقليطس كان أيضاً على حق في مقابل فرضية الثبات لزينون الإيلي.. *ذانك الشيئان هما البنايات الشاهقة التي (تتحرك!) إلى أعلى كل يوم بسرعات خرافية في عاصمتنا المثلثة.. *وثوابت الإنقاذ التي تتحرك إلى أسفل بالسرعة ذاتها حتى كادت أن تتلاشى الآن.. *سيما شعار الزهد والتقشف المُختزل في (هي لله لا للسلطة ولا للجاه!).. *وأغلب البنايات هذه هي بفعل الذين هم (ثابتون!).. *أي الذين بقوا ثابتين من بين كل (ثوابت الإنقاذ!).. *أين أستاذنا الشاروني ؟!! بالمنطق - صلاح الدين عووضة صحيفة الأهرام اليوم