لن يصدق أحد أن ذلك الطفل الذي يركض على الحائط قبل أن يقفز للراكوبة ويقفز منها هو (أعمى) فقد بصره وهو في الشهرين من العمر، ولن يصدق كذلك أي إنسان مايرويه الفنان الحساس جداً (عوض احمودي) -ابن الهلالية البار- عن طفولته الشقية التي خرج منها (مكسور اليدين) بعد (شقاوة عابرة) كلفته ذلك. أما الشيء المثير والغريب الذي لن تستطيع الاقلام تصويره، فهي تلك العلاقة الخيالية والإرتباط الوجداني الكبير الذي يرسم خطوط العلاقة بين العواد الاشهر في السودان وبين ابنائه (وضاحة) و (حمد الوضاح) و (وجد) وأخيراً (عمر) الذي يناديه (احمودي) دوماً بلقب غريب وهو (الكورمبورو)، ذلك اللقب الذى اطلقه احمودي على ابنه وقال بأنه يذكره بطفولته، لكن الطريف في الموضوع أن (احمودي) نفسه لا يدرك معنيً لذلك اللقب الذي اطلقه على ابنه الاصغر، وعن هذا قال لي (احمودي) في وقت سابق: (إعتدت على ان اطلق على ابنائي ألقاباً غريبة.. أحسها في داخلي كالالحان فتخرج في عفوية). (عمر) بالمقابل كان شديد التركيز مع إجابة والده عندما سألته عن معنى (كرومبورو)، وعندما فشل في إيجاد تفسير لذلك اللقب الذى حمله (بلا حول منه ولا قوة) صاح بصوت عال: (ابوي...ما داير تجيب لي العود)..؟، ليبتسم (احمودي) قبل أن يقول لي بهدؤ: (ابني عمر هذا أحس انه سيكون أمهر من يعزف على العود فكل طلباته لا تخرج عن هذا المجال). أما عن بقية اهتمامات ابنائه فقد اكد احمودي انها تنصب في التحصيل الأكاديمي، ولم ينس (احمودي) أن يشير في سرده للعلاقة الروحية التي تربط اسرته الصغيرة، والتي يرجع الفضل فيها بعد الله تعالى لزوجته المدام (نهلة) التي قال إنها وأبناءه من يمنحونه الأمل في باكر، ومن يتحركون في داخله كما الالحان التي تخرج من عوده، وأنامله التي يرى الدنيا بها. من يزر أحمودي بمنزله ويتعرف عليه للمرة الاولى لايمكن أن يصدق أن ذلك الرجل فاقد للبصر، فهو يقف بقدميه على كل مايحتاجه ضيوفه، بل ويضع أمامك (صينية) الشاي قبل ان يقول لك بلهجة واثقة: (تشرب كم ملعقة.؟)، وقبل ان تبدي إية نية لتولي الامر، تجده يبتسم وهو يكرر سؤاله، قبل ان يضع داخل الكوب بعناية ماذكرته من رقم، وتلك جزئية سألنا فيها أحمودي فقال بعد أن صمت قليلاً: (انا ارى الاشياء بقلبي، حتى ابنائي اراهم من تلك النافذة المشرعة بالامل، بل ويمكنني ان اصف لك شكلهم واحداً تلو الآخر). جدعة: حياة احمودي تستحق أن تكون مثالاً يحتذى به، وتستحق ان تكون تجربة تعلم كل المكفوفين واصحاب الاعاقات كيفية تعلم الصبر، وكيفية إطلاق سراح الابداع ليمشي بين الناس دون قيود، وهي حكاية تؤكد أن حب الناس لايرتبط ب(المناظر)، وقد يكون مرتبطاً اكثر بشخصية الفرد وبإحساسه، واحمودي انسان يمتلك مفاتيح كل مدائن الاحساس. شربكة أخيرة: عزيزي احمودي...متعك الله بالصحة والعافية...قول آمين. الشربكا يحلها - احمد دندش صحيفة السوداني