* بالأمس مرت علينا الذكرى السابعة والثمانون لميلاد المريخ باسمه الجديد. * علماً أن عمر المريخ يبلغ مائة وستة أعوام، لأن تاريخ الميلاد الحقيقي للزعيم هو العام 1908 وليس 1927! * التاريخ الصحيح يشير إلى أن النادي تأسس في العام 1908 باسم المسالمة، وتحول إلى المريخ في 14 نوفمبر 1927 ! * ليس هناك ما يدعو أهل الكوكب الأحمر إلى إسقاط تسعة عشر عاماً من عمر ناديهم. * المريخ امتداد طبيعي للمسالمة. * هذه عودة جديدة لمجلس المريخ كي يصحح التاريخ، ويضيف سنوات النشأة الأولى للكوكب الأحمر، لعدم وجود ما يستدعي إسقاطها من سفر أعرق وأكبر وأجمل أندية السودان. * مع ذلك سنختلف بمناسبة تحويل اسم النادي من المسالمة للمريخ، لأن تلك اللحظة شكلت تحولاً تاريخياً في مسيرة الأندية السودانية. * ما قبل لحظة الإلهام الخالدة التي استشعرتها الراحل المقيمة سيدة فرح وأطلقت بها اسم المريخ على النادي كانت أسماء الفرق مرتبطة بالأحياء. * وبعدها اتسع الأفق لتكتسب العديد من الأندية أسماء الكواكب والتوابع والنجوم. * وبعد ثلاث سنوات من تلك اللحظة الراسخة في عمق التاريخ أتى الأهلة ونظروا حيث نظرت سيدة فرح التي ربطت طموح أهل المريخ بالفضاء الواسع، وحلقت بهم في العلا. * بهذه المناسبة الجميلة يطيب لي أن أعيد نشر مقال أحسبه جميلاً، كتبته قبل سبع سنوات من الآن تقريباً، بمناسبة نفرة جميلة نظمها مريخاب الصحافات لدعم ناديهم، وورد فيه ما يلي: * (تخيلوا معي لو أن عدد أعضاء نادي المريخ ارتفع إلى مائة ألف يدفع كل واحد منهم خمسة آلاف جنيه! * مائة ألف عضو ملتزمين من بين ملايين المحبين للزعيم نقطة في بحر الحمر الواسع! * مائة ألف عضو ملتزم في خمسة آلاف جنيه تساوي نصف مليار جنيه (في الشهر كما يقول عادل إمام) ستكون طوع بنان الزعيم كلما طلع قمر واحتجب.. وظلت النجوم سواطع.. لا تغطيها الحُجب! * نصف مليار تدخل خزينة الزعيم آمنة مطمئنة بنهاية كل شهر.. تبدو في أول وهلة أمراً دونه خرط القتاد.. لكن ما شهدته بمدرسة القادسية بمدينة الصحافة مساء أمس الأول أكد لي أن الوصول إلى هذه الغاية بات وشيكاً.. وأن الشعب الأحمر ودع عهد (الحب السلبي).. وانتقل إلى مرحلة (الحب الحقيقي)! * ونعني (بالحب السلبي) اقتصار الانتماء للأحمر الوهاج على تشجيعه والفرح بانتصاراته والتصفيق للاعبين عند الفوز.. والسخط عند الهزيمة! * حب (لا يودي ولا يجيب).. بل إن ضرره يصبح أحياناً أكثر من نفعه.. خاصةً عندما يتحول البعض إلى إداريين ليأمروا بإبقاء هذا وإبعاد ذاك.. وإلى مدربين يفتون بصلاحية هذا اللاعب وانتفاء الحاجة لذاك! * لا نقول إن جماهير المريخ اعتقلت نفسها في خانة (الحب السلبي) طويلاً.. لكننا نقول إن إدارات هذا النادي مارست أسوأ أنواع البخل زمناً طويلاً وهي تمنع المحبين من العطاء للمحبوب! * وقد حفظ لنا التاريخ أن جمهور المريخ بالذات ثار على هذا الواقع بمساعدة قائد عظيم اسمه حسن أبو العائلة مطلع ستينات القرن الماضي.. وغير هذا الواقع إلى آخر أكثر جمالاً وإشراقاً. * حسن أبو العائلة ورفاقه من بناة الإستاد فتحوا لدماهير المريخ في الستينات منفذاً لدعم النادي.. فكانت المحصلة إستاداً يخلب الأنظار حوى نشاط الفريق منذ ذاك العهد وأصبح له عريناً حتى اليوم! * وبعد أكثر من خمسين عاماً من ذلك العهد شاءت إرادة الله أن ينتقل المريخ من مقام (الحسن) إلى درجة (الجمال).. حينما سار الوالي على درب القبطان.. واستنفر همم أهل المريخ ودعاهم للمشاركة في تمويل ناديهم فهبوا لنصرته رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميق! * مساء أمس الأول ساقتني قدماي بلا دعوة لمدرسة القادسية النموذجية بالصحافة غرب لأشهد ضربة بداية تطوين رابطة محبي الزعيم بمدينة الصحافة. * وصلت متأخراً بعض الشيء.. وندمت بعدها على كل ثانية فاتتني من هذه الليلة الخالدة في تاريخ المريخ. * وجوه تلمع كالنجوم ذكرتني حديث المصطفى (ص): أصحابي كالنجوم.. بأيهم اقتديتم اهتديتم! * وبرغم حرارة الاستقبال ودفء المشاعر وروعة الكلمات التي اختصني بها الأستاذ جمال مرحباً ( ونعم الخطيب هو) إلا أنني فضلت أن أبقى مستمعاً (بل ومستمتعاً) لأطول وقت. * تابعتهم وهم يقسمون (صحافة العظام) إلى قطاعات (من سبعة لحدي الحزام).. ويرشحون ممثلي هذه القطاعات بديمقراطية سادها الإيثار.. وغلفتها محبة ذكرتني مقولة القبطان (صلة المريخي بأخيه المريخي أقوى من صلة الرحم)! * أكاد أجزم أن ما يربطهم في تلك اللحظة كان حقاً (أقوى من صلة الرحم). * رأيت البشر يشع في وجه (عدلي) وهو يرى زرعه أينع وحان قطافه.. وما أدراك ما عدلي في حب المريخ. * وانسابت الكلمات من فم عوض كرنديس والأستاذ جمال عبد الله وخالد سيد أحمد وبشرى الصوفي وطارق تفاحة ومحمد محجوب حمدوك وحازم سليمان الذي ترك أهله يذهبون وحدهم لخطبته وجاء ملبياً نداء المريخ! * وازدانت الجلسة بأدب فتح الله الذي تحدث (من قاع الروح).. وفاض الشوق بحسام سليمان فارتجل أبياتٍ من الشعر الرصين.. قال فيها: (نحن جند بالمحبة قد تعافى.. نعشق النجم ولا نرضى الوصافة.. كل من جاء إلينا نال بالحق وبالصدق الحصافة.. قل لمن يجني علينا.. قس لي بالله المسافة.. نحن في المريخ إخوة.. نحن أقوى.. ليس فينا أي ضعف أو رهافة.. نتنادى نتعاون نتصافى.. لحمى المريخ دوماً يا صحافة). * ثم انهالت التبرعات.. وطلبوا مني أن أقف فيهم متحدثاً فعجزت.. وخانتني الألفاظ وتزاحمت على عيوني الدموع وأنا أذكر سيرة ابن مدينة الصحافة وعاشق المريخ السر أحمد محمد عثمان.. وقد خيل لها وقتها أنه لو كان حياً بينناً لما تخلف عن هذا الجمع الجميل. * اكتملت الروعة بمكالمة هاتفية من قائد الركب وحادي المسيرة جمال الذي زاد جمال الليلة بكلماته الدافئة المشجعة التي قوبلت بالاستحسان.. وقوطعت بالتصفيق والهتاف عدة مرات! * وكانت ليلة.. من ألف ليلة وليلة..(نفرتنا قيافة.. ثورات وصحافة). آخر الحقائق * توج المريخ فيه نفسه زعيماً لجمهورية التنافس الكروي بالسودان وملكاً عظيماً لا ينافسه أحد. * ولأن الدنيا لا تسير على منوالٍ واحد فقد كان من الطبيعي أن تمر المملكة العظيمة ببعض أوقات الشدة.. وتشهد بعض الانحسار لأن البقاء على حالٍ واحد لا يتأتى إلا لخالق الكون.. جل وعلا. * خلق الله الطبيعة وابتلاها بالقحط.. وأوجد العافية وامتحنها بالمرض.. وخلق النور وابتلاه بالظلام. * مسيرة الملك المتوج شهدت إنجازاتٍ غير مسبوقة.. كما شهدت بالطبع بعض فترات الاضمحلال كما يحدث لكل الحضارات العظيمة. * لكن غالب أيام هذه المملكة الضخمة جاء زاخراً بملكٍ زاهر وحضارة عظيمة وانتصاراتٍ باهرة وأرقام قياسية غير مسبوقة! * نظر المريخاب الأوائل للسماء وجعلوا النجوم سقفاً لطموحاتهم فتبعهم الآخرين ونظروا حيث نظروا! * ابتدعوا متواليات لقاءات القمة قبل نصف قرن وتركوا خصمهم يسعى لإدراكها بلا جدوى! * وابتكروا معجزة الفوز بالدوري بلا هزيمة ولا تعادل.. وفازوا به بتعادلٍ واحد فلم يدركه منافسهم إلا بعد أكثر من ثلاثة عقود! * حتى متواليات الفوز بالممتاز ابتكروها وبادروا بها.. ونالوا فضلها أولاً ثم تفوق عليهم الحوار فيها.. لكن الحوار يظل حواراً والشيخ شيخاً مهما حدث! * ميز الزعيم نفسه بما استعصى على غيره عندما احتكر الفوز بالبطولات الخارجية دوناً عن كل أندية السودان.. ونجح في اجتياز امتحان الجدارة الذي أعجز غيره وجعله نسيج وحده.. يحمل لقباً يبعث الفخر في نفوس محبيه ويثير كوامن الغيرة في نفوس الآخرين (بطل الكؤوس المحمولة جواً)! * إن معدن المريخاب قوي بطبعه.. لا يعرف الانكسار. * المريخابي يرفض أن يرفع الراية البيضاء لأن شعار المريخ ارتبط منذ الأزل بلون الدم الذي يرمز للقوة والشراسة والمنعة والفداء والتضحية! * هؤلاء ظلوا يقفون مع المريخ وقت الشدة.. مثلما وقفوا معه داخل القصر الجمهوري وفي ساحات المطار! * يؤازرونه ويساندوه لأنهم يعلمون أنه قوي الشكيمة.. يمرض.. ولا يموت! * صدق من قال: عافية الكرة السودانية من عافية المريخ! مزمل ابو القاسم - كبد الحقيقة صحيفة الصدى