لم تكن المرة الأولى التي يهدد فيها بعض شذاذ الآفاق العاملين بالهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون والبث، فمن قبل ومنذ سنوات أشاع بعض «عديمي الشغلة»، أن هناك قنبلة مزروعة في دار الإذاعة أو التلفزيون، ولم يحدث بعد ذلك غير أن أزعج صاحب الشائعة السلطات.. ولا إزعاج طبعاً، فهي بالشائعة وبدونها تبذل الجهد وتسهر للتأمين، فهذا من صميم عملها وواجبها المنوط بها. بل إن مثل هذه الشائعات الغبية قد طالت من قبل حتى الخطوط الجوية، ونذكر أن أحد المواطنين قد أشاع أن الطائرة التي كان مقترحاً أن تقل السيد الصادق المهدي من مطار الخرطوم لكنه تأخر عن الحضور تحمل على متنها قنبلة.. ولم تكن هذه المعلومة صحيحة، لكنها كانت بغرض أن تعود الطائرة أدراجها ويلحق بها السيد الصادق المهدي.. ولو كانت هذه الحكومة شرسة مثل حكومة جعفر نميري لاعترضت على سفره وحدث له ما لا يُحمد عقباه. لكنها حكومة لطيفة «حوارية».. تقدم السبت لتجد الأحد. ويوم أمس قرأ الناس نص الرسالة التي تحمل التهديد بتفجير الإذاعة والتلفزيون. وتوجه العاملين بالامتناع عن الحضور لمزاولة عملهم، وهذا هو طبعاً الهدف من التهديد.. قذف الرعب في نفوس العاملين وبث الخوف في قلوبهم. لكنهم لعلهم يتذكرون شائعة القنبلة تلك.. التي لم تعطل العمل. وقرأ الناس أمس في مفتتح الرسالة ما تمناه كاتبها وكأن الأمر حقيقي حيث قال:«أتمنى أن تأخذوا هذا التحذير مأخد الجد».. انتهى. إن السلطات الأمنية والجنائية، كانت هي الأولى بإطلاق مثل هذا التحذير لو أن الأمر يمكن أن يكون حقيقياً، لكنها تحسبه تجديداًلشائعات قديمة ما قتلت ذبابة. ولعلها «تتمنى» ألا يكترث العاملون والزوار وضيوف الاستديوهات لمثل هذه التهديدات الوهمية التي هي في حد ذاتها حسب التحليل الجنائي تكذب ما قيل أنه سيحدث من تفجيرات تطول أجهزة الإعلام القومية التي جاءت الحكومة ووجدتها وغداً ستتركها بفناء الأعمار، وإذا كان من يريد تفجير الإذاعة يريد أيضاً إسقاط النظام لأن نص رسالته قال «سيتم استهداف معاقل أبواق النظام خلال اليوم»، فإنه إذن يرتكب أكبر خطأ، لأن استهداف النظام نفسه يحتاج ضمن اجراءات معينة وجود الإذاعة والتلفزيون. إن كل محاولات التغيير الناجحة والفاشلة والتي لم يستمر نجاحها استكملت باستغلال الاذاعة. وصاحب الرسالة التهديدية هذا كل ما سيجنيه إذا كان قد صح هذا التهديد في ذلك اليوم الذي حذر فيه العاملين بالهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون هو انخفاض اسهم المعارضة وارتفاع اسهم الحكومة. ويكون الضرر قد وقع على العاملين فقط، أما الحكومة فبإمكانها ان تجهز خلال ايام قلائل اذاعة وفضائية وتتحدث فيهما عن اعتداءات ضد البلاد.. وتكسب التعاطف تماماً من قواعد الأنصار والختمية وكل الطرق الصوفية إضافة إلى غيرها من القواعد الأخرى لبعض الكيانات. إنه عمل ذو هدف عكسي.. وذو نتيجة عكسية. إن ما قلناه بالأمس هو أن التهديد يكذب التفجير، وقد مرّ «يوم التحذير الوهمي» بدون تفجيرات، ونعود إلى الرسالة ونقرأ: «نكرر غادروا المكان سريعاً». إن ما غادرت المكان سريعاً هي التهديدات فقط، أما العاملون وأعين السلطة الجنائية والأمنية فهي تبقى ولا تغادر. وقد تكون هذه الرسالة التهديدية بحسب اللهجة التي تؤشر إلى بعد سياسي من شخص مستاء متقاعس ينتظر أن تعطيه الحكومة ما يريد رغم وساع أرض الله، أو قد تكون مربوطة بظروف مالية سيئة تمر بالهيئة انعكست على العاملين، وأصبحوا مثل المعلمين قبل سنوات حيث كانت رواتبهم تتأخر، لكن لم يخرج من بينهم من يهدد بتفجير مدرسة أو مكتب تعليم أو وزارة التعليم أو وزارة المالية.. فالمتأخرات إذا اتخذ الخراب سبيلاً لعلاجها فسوف تتأخر أكثر وأكثر، لأن إصلاح الأضرار سيزيد الاحتياج للأموال. ونذكر أن تظاهرات سبتمبر التي لقي فيها اكثر من ثمانين مواطناً حتفهم، قد بلغت الخسائر فيها مائة وسبعة وثلاثين مليار جنيه. فمتى يفكر الناس في معالجات لا تكون نتائجها أسوأ من المشكلات نفسها؟! الكاتب : خالد حسن كسلا الحال الآن - صحيفة الإنتباهة