تبادلت وسائط الاتصال يوم أمس صوراً تفيد بوصول المرتدة أبرار إلى إيطاليا واستقبال بعض المسؤولين بحكومة روما لها، وهذا المقال يرتبط بمقالات سابقة نشرتها بهذه الصحيفة في ذات القضية منها «الهمجِيَّة» في قوانين إباحة «الشذوذ وزواج المثليَّة» الذي ترعاه الدول الغربية وليست في حكم «الرِدّة» وغيره من الأحكام الإسلامية، ومقال: حكم الردة في الإسلام من الثوابت ولا حجة للمنكرين، ومقال: وفي «حد الردة».. ليتحدث العلم وليصمت الجهل، ومقال: اللغط في حد الردة أظهر الحاجة إلى بيان مكانة السنة النبوية، ومقال في حلقتين بعنوان: مما جهلته «أبرار» قبل أن تُخْدَع.. وفي أحد هذه المقالات قلت: «أما بالنسبة لقضية أبرار المرتدة التي كانت مسلمة لأبوين مسلمين فهي قضية أوراقها وملفاتها في الدوائر القضائية التي ينتظرها الناس لتوضح لهم البينات والمستندات الشرعية التي اعتمدت عليها محكمة الاستئناف لنقض حكم محكمة الموضوع، كما أن الرأي العام ينتظر المبررات التي تسمح بألا يتم تسليم هذه الفتاة بغض النظر عن الحكم في القضية إلى أهلها وذويها طالما أثبتت الأدلة أنهم أهلها وعشيرتها.. وليس من منهجنا التدخل في أمر ليس من اختصاصنا وهو بجهات مختصة.. وإنا منتظرون توضيح الحقائق الخاصة بهاتين النقطتين في هذه القضية». وليس لي أن أضيفه في هذا المقال، إلا أن أتحف القارئ الكريم وهو في ختام شهر الصيام وشهر القرآن الكريم ببعض ما جاء في كتب التفسير في قول الله تعالى: «وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ». قال العلامة السعدي في تفسيره: «يخبر تعالى رسوله، أنه لا يرضى عنه اليهود ولا النصارى، إلا باتباعه دينهم، لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه، ويزعمون أنه الهدى، فقل لهم: «إِنَّ هُدَى اللَّهِ» الذي أرسلت به «هُوَ الْهُدَى». وأما ما أنتم عليه، فهو الهوى بدليل قوله «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ». فهذا فيه النهي العظيم، عن اتباع أهواء اليهود والنصارى، والتشبه بهم في ما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب».أ. ه وقال العلامة الشوكاني: «قوله: «وَلَن ترضى عَنكَ اليهود» الآية، أي: ليس غرضهم، ومبلغ الرضاء منهم ما يقترحونه عليك من الآيات، ويوردونه من التعنتات، فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون، وأجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك، ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتبع ملتهم، والملة: اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه على ألسن أنبيائه، وهكذا الشريعة، ثم ردّ عليهم سبحانه، فأمره بأن يقول لهم: «إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى» الحقيقي، لا ما أنتم عليه من الشريعة المنسوخة، والكتب المحرّفة، ثم أتبع ذلك بوعيد شديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتبع أهواءهم وحاول رضاءهم وأتعب نفسه في طلب ما يوافقهم. ويحتمل أن يكون تعريضاً لأمته، وتحذيراً لهم أن يوافقوا شيئاً من ذلك، أو يدخلوا في أهوية أهل الملل، ويطلبوا رضاء أهل البدع. وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب، وتتصدع منه الأفئدة، ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه، والقائمين ببيان شرائعه، ترك الدِّهان لأهل البدع المتمذهبين بمذاهب السوء، التاركين للعمل بالكتاب والسنة، المؤثرين لمحض الرأي عليهما، فإن غالب هؤلاء، وإن أظهر قبولاً، وأبان من أخلاقه ليناً لا يرضيه إلا اتباع بدعته، والدخول في مداخله، والوقوع في حبائله، فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه وسنّة رسوله، لا ما هم عليه من تلك البدع التي هي ضلالة محضة، وجهالة بينة، ورأي منهار، وتقليد على شفا جرف هار، فهو إذ ذاك ما له من الله من وليّ، ولا نصير، ومن كان كذلك، فهو مخذول لا محالة، وهالك بلا شك، ولا شبهة». الانتباهة - د. عارف عوض الركابي