مع وصول رئيس جنوب السودان إلى قاعة الحرية، بالعاصمة جوبا، انطلقت هتافات وتكبيرات من الحضور صحبها نداء "مسلم ومسيحي رئيسنا سلفاكير". ففي إفطار رمضاني بطعم السياسة، أقامت رئاسة الجمهورية بجنوب السودان، مائدة الإفطار الرمضانية السنوية للمسلمين، تحت شعار "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تتفرقوا" (آية قرآنية). المائدة أقيمت، الخميس، لتتزامن مع إحياء أغلب المسلمين لليلة القدر، (ليلة السابع والعشرين من رمضان)، بحضور رئيس الجمهورية الفريق أول سلفاكير ميارديت، ونائبه جيمس واني إيقا. تاتي المائدة الرمضانية في وقت تشهد البلاد فيه صراع سياسي وعسكري وعمليات نزوح واسعة للمدنيين، جراء الاشتباكات المسلحة المتواصل في البلاد بين كير ونائبه السابق ريك مشار، منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، في ظل اتفاق وقف عدائيات معلن بين الطرفين، وجد حيزا ضيقا للتنفذ، بسب خرقه من الجانبين، حسب اتهامات متبادلة. شارك في المائدة الرمضانية مستشار الرئيس للشؤون الدينية مارك ليتودي، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى الفريق الطاهر بيور، وعدد من الوزراء الاتحاديين، وحكام الولايات، ورجال الدين الإسلامي والمسيحي، إلى جانب رؤساء البعثات الدبلوماسية وجمع غفير من المسلمين اكتظت بهم قاعة الحرية. برامج الإفطار الذي يرعاه سلفا كير (مسيحي) بدأ بتلاوة آيات قرانية، من ثم أذن المؤذن لصلاة المغرب، بعدها بدأ الجميع الإفطار في صمت وخشوع إلى حين وقت صلاة المغرب الذي ذهب إليه الجميع أمام القاعة، وبعد أن أكمل المصلين صلاتهم عاد الجميع إلى داخل القاعة لسماع بعض الكلمات المصاحبه للبرامج. "التسامح والتعايش" كان الصبغة الرئيسية للكلمات التي صاحبت الإفطار، في محاولة لرسم واقع مغاير لما يتم الأرض، فرغم أن الصراع في جنوب السودان لايبدو طائفيا، إلا أن مراقبين، لم يفصلوه عن الارتباطات العرقية والإثنية، خاصة مع انتماء سلفاكير لقبيلة "الدنكا"، وانتماء مشار لقبيلة "النوير" المنافسة لها. من جانبه قدم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الفريق الطاهر بيور في كلمته تحية للحضور ابتداءاً برئيس الجمهورية وضيوف شرف الإفطار. وقال بيور أن هذا الأمسية تتكرر كل عام، بفضل رئيس الجمهورية الفريق أول سلفاكير ميارديت، مبينا أن هنالك تشتت وسط المسلمين، مشيراً إلى أن هنالك أناس يتبعون سياسة عمياء دون النظر لمصلحة البلاد، مناشداً إياهم بالرجوع إلى خط المسلمين. وزاد "نحن قطعنا عهد بأننا لن نخون عندما صوتنا ليكون الفريق اول سلفاكير ميار ديت رئيساً للجمهورية". وقال إن ذلك هو عهد قطعه المسلمون بعدم خيانة رئيس الجمهورية، مؤكداً في الوقت نفسه أن مسلمي جنوب السودان يقفون خلف رئيس الجمهورية. وطالب بيور رئيس الجمهورية بالتدخل تجاه ما وصفه بنهب أراضي المسلمين وهدم المساجد، وقال أن هنالك مسجد للمسلمين بضاحية "سوق ستة" تم نهبه، إلى جانب مسجد آخر بحي (جبرونا) تم هدمه. وقال إن المسلمين شركاء في البلاد وأصحاب مصلحة بالدولة، ومضى قائلا: "لهذا السبب نرفع كلامنا لرئيس الجمهورية"، مناشداً المسلمين بالوحدة فيما بينهم. إلى ذلك قال مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، مارك ليتودي، أن هذا اليوم هو لتقديم التهنئة للمسلمين ومشاركتهم المحبة من قبل رئيس الجمهورية. ومضى المستشار الي القول بأن هذا اليوم جمع كافة رجالات الدين المسيحي والإسلامي، واصفاً إياه بالعمل الطيب والجميل لأبنا الله. وزاد "نحن هنا لأننا كلنا ابناء الله". وقال مارك إن دستور البلاد يكفل حق حرية الأديان لكل مواطني البلاد، مبيناً أنه ليس هنالك استعمار في هذه البلاد منذ إعلان استقلالها، مطالباً الجميع بالتوحد فيما بينهم. وأبان سلفاكير في معرض حديثه أن التعايش السلمي بين الأديان هو الذي يأتي بالاستقرار للدولة، مبينا أن حكومته تهتم بالمسلمين أينما كانوا، ومضى الرئيس في قوله "انتم تعلمون أن الإنسان لديه مشاكل كثيرة، ما كنا نتوقع أن تكون هنالك حرب في الجنوب بعد الحرب التي خضناها مع السودان". وانتقل بحديثه من أجواء التعايش والروحانيات إلى واقع السياسة قائلا إن مؤتمر الاستثمار الذي دعت له حكومته عام 2011م شارك فيه أكثر من مئتي مستثمر أجنبي، وأنهم اتفقوا على العودة مرة أخرى إلى البلاد من أجل البدء في المشاريع الاستثمارية عقب أعياد الكريسماس، إلا أن ما فعله ريك مشار أجَّل كل ذلك. وقال إن "زعيم المتمردين"، ريك مشار، أصبح اليوم لاجئاً، ومضى قائلا "في 1991م أعلن التمرد من الناصر، واليوم عاد مرة أخرى إلى الناصر". وانشق رياك مشار عن الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1991 (تزعمها سلفاكير بعد مقتل جون قرنق)، وأسس مع بعض المنشقين على قرنق ما عرف بمجموعة الناصر (نسبة إلى مدينة الناصر في جبال النوبة)، كما أسس الحركة الموحدة عام 1992، ثم حركة استقلال جنوب السودان عام 1995. وقال كير إن ريك مشار يريد الاستيلاء على عدد من المناطق ليدخل بها جوله المحادثات، إلا أن ذلك فشل، موضحاً أنهم تركوا له منطقة أكوبو بجونقلي بعد تدخل الوساطة الأفريقية. واستنكر الرئيس هجوم قوات ريك مشار، الأحد الماضي، على منطقتي ناصر وأيوت، مجدداً دعمه لعملية إحلال السلام في البلاد. وقال "نريد أن يرتاح المواطنون من الحرب ويأتي المستثمرون لتنمية البلد" . وقال كير إن المتشددين الإسلاميين الذين يقومون بأعمالا انتحارية حول العالم ليس لديهم مكان في البلاد، متوعدا بالقول "لن نرحمهم". وفي ختام حديثه قدم رئيس الجمهورية مبلغ 200 ألف دولار للمسلمين كمنحة لإجراءات الحج هذا العام. وبلغت نسبة المسلمين في جنوب السودان وفقا لآخر احصاء رسمي، تم اجراؤه منتصف ثلاثينيات القرن الماضي على يد مجلس الكنائس العالمي برعاية الاحتلال البريطاني آنذاك 18%، أما المسيحيون فبلغت نسبتهم 17%، وشكل اللادينيون نسبة 65 %. لكن منظمات إسلامية في جنوب السودان تقول إن نسبة المسلمين قفزت إلى 35%، موزعون على معظم القبائل الموجودة في الشمال، ولا سيما الدينكا، وتضم جنوب السودان نحو 65 مسجدًا موزعة على مختلف الولايات.