أصوات أزيز الطائرات لا تغادر سماء مدينة غزة الغائمة، يرافقها دوي انفجارات تسمع على فترات متباعدة، وتضيء حلكة ظلام طرقاتها التي تكاد تخلو من الأحياء. هذا ما آلت إليه الحال في شوارع قطاع غزة ليلة عيد "الفطر السعيد"، التي توافق ليلة اليوم ال21 للحرب الإسرائيلية. تلك المشاهد لم تعرفها غزة، في مثل هذا الوقت من العام الماضي، فسمائها الغائمة كانت مرصعة بالنجوم، وشوارعها التي يغرقها الظلام والصمت كانت تزدحم بآلاف المركبات والمارة الذين كانوا يقضون ليلة عيدهم في الأسواق. وفي غزة التي تشتعل فيها نيران الحرب منذ 21 يوما، لم يعد هناك في ليلة العيد مكان لزينة العيد، ولا لضحكات الأطفال و"شقاوتهم"، ولا تفوح رائحة الكعك من أزقة مخيماتها، ولا تسمع بالمدينة المحاصرة أصوات تكبيرات العيد من مآذن المساجد التي أغلق أكثر من 70 منها أبوابه بعد تعرضها للقصف الإسرائيلي. وقال حسام الرنتيسي (32 عاما) الذي يعمل سائق أجرة لمراسل وكالة الأناضول: "لا تزال مشاهد الموت والدمار ورائحة الدماء تفوح في شوارع غزة، والقصف الإسرائيلي متواصل ولا يمكن أن ننسى ما فعلت إسرائيل بحي الشجاعية، لذلك لن تجد أي فلسطيني يحتفل بحلول عيد الفطر". ويضيف الرنتيسي (أب لخمسة أطفال) الذي كان متوجها لمستشفى غرب مدينة غزة لتفقد طفله الجريح "الحياة هنا قتلتها الحرب الإسرائيلية (...) الجميع يخشى أن يكون هدفا للطائرات الإسرائيلية التي لا تغادر سماء غزة، فلا يخرج أحد إلى الشارع أو السوق إلا للضرورة القصوى وخلال ساعات النهار فقط". وقرب مستشفى الأطفال في مدرسة تابعة للأمم المتحدة تأوي نازحين من حي "الشجاعية المنكوب" تجمع عدد من الشبان الفلسطينيين في سهرة سمر ليلية، في محاولة للتغلب على وجع الحرب الإسرائيلية. خالد البلتاجي (25 عاما) قال لمراسل الأناضول: "هذا هو العيد الأول الذي يمر علينا دون أن نحتفل، ففي ليالي العيد الماضية كنا نذهب إلى السوق، ونقضي ليلتنا في أحد المقاهي ولا نرجع إلى المنزل إلا بعد شروق الشمس". ويضيف "هذا العيد لا نشعر بوجوده، فالجميع هنا في غزة له حكاية مع الوجع، فمنهم من قتل جميع أفراد عائلته، وآخرون هدمت منازلهم (...) في كل بيت هناك مأساة فكيف تريد أن تحتفل الناس بالعيد". ومع اقتراب ساعات الصباح، يخشى الفلسطينيون مغادرة منازلهم لأداء صلاة العيد، كما كتب العديد منهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر"، تحسبا لاستهدافهم من الطائرات الإسرائيلية. ومساء أمس الأحد، كانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أعلنت عن توافق الفصائل الفلسطينية على قبول "تهدئة إنسانية"، لمدة 24 ساعة تبدأ الساعة الثانية من مساء الأحد بالتوقيت المحلي (11:00 ت.غ)، استجابة لتدخل الأممالمتحدة، ولا تزال "حماس" تنتظر ردًا رسميًا من إسرائيل بخصوص هذه التهدئة. وفي السياق، قال مصدر عسكري إسرائيلي، إن "تعليمات المستوى السياسي هي احترام وقف إطلاق النار، بمعنى الهدوء سيكون مقابله هدوء وإذا ما تم إطلاق النيران سيتم الرد على مصدر النيران". وأضاف المصدر العسكري الإسرائيلي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، ل"الأناضول" "إذا ما تم إطلاق صواريخ فانه سيتم الرد على مصدرها وإذا ما تم إطلاق النار فانه سيتم الرد على مصدرها..إذا لم تطلق حماس النار فلن يتم إطلاق النار بالمقابل". وبدعوى العمل على وقف إطلاق الصواريخ من غزة على بلدات ومدن إسرائيلية، يشن الجيش الإسرائيلي، منذ السابع من الشهر الجاري، عملية عسكرية، تحت اسم "الجرف الصامد" في غزة، أسقطت 1034 قتيلا و6233 جريحا فلسطينيا، بحسب الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، الطبيب أشرف القدرة. في المقابل، قتل 43 جندياً وضابطًا وثلاثة مدنيين إسرائيليين، حسب الرواية الإسرائيلية، فيما تقول كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إنها قتلت 80 جندياً إسرائيلياً وأسرت آخر.