حققت جامعة الخرطوم التي يحب منتسبوها وخريجوها تسميتها ب»جميلة ومستحيلة»، نقاطاً جديدة في سياق المحافظة على سجلها الناصع في تاريخ السودان الحديث، ويعيد منبر السياسات الذي انعقد بقاعة خضر سليمان بأمانة الشئون العلمية لتدارس التحديات الوطنية الراهنة، ألقا قديما وبريقا للجامعة كان قد خفت بسبب غبار السياسة، وفي وقت ماتزال فيه دائرة الخلافات متسعة بين السياسيين، فإن الجامعة العريقة قد أحرزت نجاحا في الحصول على اتفاق الفرقاء على حيادية منبرها وريادة دورها في التصدي للأزمات التي تكاد تعصف بالبلاد. وفي هذا السياق، فقد أختتمت أمس أشغال المنبر بمشاركة لافتة لأبرز قيادات الاحزاب السياسية وأساتذة الجامعات والخبراء والمهتمين، بيد أن المنبر غابت عنه أحزاب أخرى مؤثرة في مقدمتها الحركة الشعبية لتحرير السودان والحزب الاتحادي الديموقراطي والحزب الشيوعي. وعلى الرغم من حالة التوجس التي أبداها عدد كبير من المشاركين في المنبر مع إنطلاقته، إلا أن حالة من الاطمئنان سادت وسط المشاركين بشأن اهداف المنبر وأجندته التي ظهر إنها لا تشمل عدا إتاحة الفرصة لحوار سياسي بين الفرقاء في مناخ أكاديمي علمي وموضوعي. وأعتبر المدير السابق للجامعة البروفسير محمد أحمد الشيخ في مؤتمر صحفي أمس، أن عقب أعمال المنبر هي إستكمالا لجهود جامعة الخرطوم في التعاطي الموضوعي والمسؤول مع جملة التحديات المتعاظمة التي تواجه الوطن في الوقت الراهن، وامتدادا لمذكرتها الشهيرة التي قدمتها في اغسطس عام 2008 الى القيادات السياسية في الحكومة والحركة السياسية. ورأى أن الجامعة نجحت من خلال المنبر في لم شمل المفكرين في الدولة وصانعي القرار في الاحزاب السياسية المختلفة، وأن المنبر لقي حماسا منقط النظير من كافة الاطراف، موضحا أن المشاركين أكدوا على دور الجامعة، وأعربوا عن ثقتهم في المؤسسة التعليمية العريقة، لافتا الإنتباه إلى أن اللجنة التي أعدت المنبر دعت كافة الاطراف بما فيها ممثلو الحركات المسلحة في دارفور، لكن أسباباً لوجستية حالت دون مشاركتهم في المنبر، الا ان المنبر استمع الى مداخلة عبر الهاتف من الدكتور جبريل إبراهيم عن حركة العدل والمساوة. وتضم اللجنة مجموعة من أساتذة الجامعة والخبراء من بينهم البروفسير يوسف فضل، البروفسير عوض السيد الكرسني، الدكتور محمد ابراهيم الطاهر، الدكتور صفوت فانوس، الدكتور ابراهيم عبد المنعم صباحي، الدكتور محمد عبد السلام ، الدكتور محمد محجوب هارون. وكشف البروفسير محمد احمد الشيخ أن اللجنة ستعقد إجتماعها الاحد المقبل لتحديد الاطار الزمني التي ستقوم عليه أعمال اللجنة لاحقا بناء على توصيات المشاركين في المنبر حول قضايا الوفاق الوطني ومتطلبات السلام وسلام دارفور والتحول الديموقراطي ووحدة البلاد، وأعرب عن امله في ان تصبح جامعة الخرطوم «بيت خبرة» يستفيد منه السياسيون ومتخذو القرار. وحسب بيان صحفي عن لجنة منبر السياسات، فقد شارك في المنبر ممثلون لطيف وطني واسع من اساتذة الجامعة وإدارييها ومن الخبراء الوطنيين من خارج الجامعة في مختلف المجالات ذات الصلة وقيادات برلمانية وناشطون ومثقفون يمثلون مدى واسعا من وجهات النظر واعلاميون وذوو اختصاص بالشأن العام نساء ورجالا ومهتمين من ممثلي الهيئات الحكومية والاقليمية والدولية المعتمدة بالبلاد. وستعمل الجامعة وفقا لتوصيات المشاركين في المنبر بالمساهمة في ضرورة إستكمال مسيرة السلام الشامل من خلال التفاوض انطلاقا من مبدأ تقديم التنازلات اللازمة من جميع الاطراف، والالتزام باستكمال تطبيق اتفاق السلام الشامل واتفاقية سلام دارفور واتفاق الشرق و تفاهمات اخرى والوفاء باستحقاقاتها على أفضل نحو ممكن. وسيساهم منبر الجامعة في منح اولوية لإكمال عملية التحول الديموقراطي عبر تراضي وطني بين مختلف مكونات الفضاء السياسي الوطني على اجراء انتخابات حرة ونزيهة، والمساهمة في إمتلاك نظرة جديدة لمعالجة الخلل في تركيبة الاقتصاد وبناء سياسات واستراتيجيات للمدى المتوسط والبعيد، الى جانب التأمين على اولوية تحقيق العدل والتأكيد على ضرورة عدم الافلات من العقاب والعمل على تعزيز البنيات الوطنية للتقاضي والتعافي والتصالح الاهلي. من جهته، أكد مدير معهد ابحاث السلم التابع للجامعة الدكتور الطيب حاج عطية استمرار جهود جامعة الخرطوم من خلال منبر السياسات للتعرف على رؤى الاحزاب والقوى السياسية التي لم تشارك في المنبر، ومن اجل تضييق الخلاف بين القوى الوطنية المختلفة في الطريق الى بناء قاعدة اوسع واقوى للاجماع الوطني واستكمالا لمساعي تجاوز أزمات البلاد. ونفى ان يكون المنبر مبادرة سياسية، او من اجل تقديم روشتة محددة بالحلول لازمات البلاد، موضحا ان المنبر يهدف لاتاحة الفرصة للحوار السياسي الموضوعي والعلمي، وقال ان ما جرى الاتفاق حوله وما اختلف بشأنه سيضمن في وثيقة توزع على كافة الجهات ذات الصلة في وقت لاحق.