تعتبر مشكلة الحدود بطابعها السياسي والجغرافي معضلة عالمية في السياسة الدولية ومما لاشك فيه أن كل دول العالم دونما استثناء لديها مشكلات تتعلق بالحدود ، سواءً أكان ذلك على صعيد دول أمريكا اللاتينية أو دول آسيا وأفريقيا أو الدول الأوروبية وكذلك الدول العربية فأحد أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية كانت على صلة وثيقة بجزر اللورانس أو ما يعرف بنهر الدانوب وهو ما يعني أن نزاعات الحدود باعتبارها مشكلة دولية تداخلت على صعيد (المياه) و(اليابسة).. فهناك نزاعات بين الدول على (الحدود المائية ) وما لذلك من علاقة وثيقة الصلة بالجزر المختلفة التي تمثل موضوع (صراعات) دائما ما تنشب من وقتا لآخر وتأخذ طابع (التصعيد) و(التهدئة) في كلتا الحالين.. ومشكلة الحدود في الوطن العربي مشكلة (قديمة) وليست وليدة الساعة الآنية، ولتلك المشكلة بعدان أساسيان أحداهما على صلة بحدود الدول العربية مع بعضها البعض والآخر على صلة بحدود الدول الأجنبية وإن كان جذر تلك المشكلة يرجع بالتأكيد إلى (الاستعمار) قديمه وجديدة فالاحتلال بكافة أشكاله وأنواعه هو الذي اوجد (نزاعات الحدود السياسية) بين البلدان العربية ودول أخرى مجاورة لها بدءا من انتهاء الدولة العثمانية عقب ا(لحرب العالمية الأولى) وما نتج عن ذلك من تقاسم أملاك الرجل المريض. وقد أصبحت ا(لحدود) دقيقة ومؤكدة بعد تبلور (القوميات) داخل الحدود (الحاجزة) وظهور (الدولة القومية الحديثة) في نهاية (العصور الوسطى).. وارتباط هذه الدولة بملكية الإقليم والسيادة عليه.. ولأن الحدود ترتبط بالملكية و(السيادة)، لذا فإن المنطقة التي تسودها الدولة يجب أن تكون (معلومة) و(معينة) بخطوط حدية (دقيقة) وواضحة . والحدود بمفهومها المعاصر، عبارة عن مصطلح يستخدم للإشارة إلى الخطوط الحديثة التي تعين ا(لنطاق) الذي تمارس فيه الدول ما لها من اختصاصات و(سلطات). وهذه الفواصل لا تعين إقليم الدولة على (اليابس) فقط، ففي الدول (الساحلية)، تمتد هذه الفواصل في (خطوط مستقيمة) نحو البحر، لتعين (النطاق البحري) الذي يخضع لسيادة هذه الدولة. وقد عرفت المنطقة العربية متغيرات سياسية وتاريخية عديدة، كان لها أثر بالغ في تعيين الحدود الفاصلة بين دولها في الوقت الحاضر. والمنطقة العربية كانت جزءً من الدول العربية الإسلامية التي تمتد إليها ولاية المسلمين، دون (حدود سياسية)، فقط حدود إدارية تعين الإقليم والولايات، التي لم يكن لها شكل الدولة الحديثة، وترتبط بين شعوبها الأخوة الإسلامية، وتحكمها القواعد والأحكام الشرعية الإسلامية. وتولى (الأتراك) إبان الامبراطورية العثمانية حكم جميع الدول العربية الإسلامية باستثناء الأطراف البعيدة كمراكش وموريتانيا وأريتريا والصومال، وذلك في القرن (السادس عشر)، ومنذ أوائل القرن (الثامن عشر) تقريبا بدأت تظهر ملامح الضعف على (الامبراطورية العثمانية)، وأصبحت هدفا للتوسع الاستعماري خاصة من جانب بريطانياوفرنسا. وبعد هزيمة (تركيا) وتفكيك أوصالها في (الحرب العالمية الأولى)، جرى تقسيم المنطقة العربية بين الدول الحليفة، بعد تنازل (تركيا) عنها بموجب اتفاقية لوزان عام 1924م.. وأسفرت عن حصول بعض الولايات على استقلال منقوص كمصر والسودان ونجد والحجاز، ووضع البعض منها تحت (الانتداب البريطاني) كالعراق وفلسطين، والبعض الآخر تحت (الانتداب الفرنسي) كسوريا ولبنان.. وخضع البعض لنظام الحماية الفرنسية كتونس ومراكش ومشيخات الساحل، كما وضعت جنوبي شبه الجزيرة العربية وعدن تحت (الحماية البريطانية). كما ظلت الجزائر وموريتانيا والصومال الشرقي (جيبوتي) خاضعة للاستعمار (الفرنسي)، وليبيا واريتريا والصومالالجنوبي خاضعة للاستعمار (الإيطالي)..فضلا عن خضوع الصومال الشمالي للاستعمار (البريطاني). وقامت الدول المنتدبة بتحويل الحدود الإدارية في المنطقة العربية إلى حدود لها صفة (سياسية)، تفصل بين مناطق الانتداب.. وذلك بموجب (معاهدات) لتوزيع مناطق النفوذ، كمعاهدة (سايكس بيكو) بين فرنساوبريطانيا وروسيا. ثم بدأت الدول العربية تحصل على استقلالها بدءً من 1941م حين حصلت لبنان على استقلالها ثم عام 1943م حين حصلت سوريا على استقلالها.. وتتوالى بعد ذلك الاستقلال حتى عام 1976م حين انسحبت إسبانيا من إقليم الصحراء الغربية. والحدود السياسية العربية حدود سابقة وبالتالي، فإن نشأة هذه (الحدود ) بمفهومها القانوني السياسي سابقة عن نشأة الدول العربية وظهورها في شكلها المعاصر مع ملاحظة أن هذه الحدود السياسية مفروضة (كأمر واقع) على الدول العربية التي لم تشارك في تعيينها وتخطيطها.. وبما أن الحدود (مفروضة) في واقع معين لم يعد لأكثره وجود، فمن الطبيعي ألا تتفق الحدود مع (الوضع الجديد).. ومن هنا ظهرت (الخلافات) والنزاعات على الحدود بين الدول العربية وبعضها البعض. والدول العربية تواجه أزمة قضايا تحديد (الحدود) فهناك نزاعات حدودية بين دول المغرب العربي ومنها النزاع بين الجزائر وتونس، ثم النزاع بين الجزائر وليبيا، ثم النزاع بين ليبيا وتونس، ثم النزاع بين الجزائر والمغرب، والنزاع بين المغرب وموريتانيا.. وأخيرا النزاع بين المغرب والصحراء الغربية. أما النزاعات على الحدود في دول المشرق العربي، فهناك ا(لنزاع الحدودي) بين قطروالبحرين والنزاع الحدودي بين السودان ومصر (في مثلث حلايب وشلاتين) ، ثم النزاع الحدودي بين إيرانوالعراق، وإيرانوالإمارات العربية (جزر طنب الكبرى والصغرى، وابو موسى) ، ثم العراقوالكويت، وأيضا بين الكيان الإسرائيلي (المحتل) ودول الطوق (سوريا ولبنان والاردن ومصر) ثم بين السعودية وقطر وأخيرا بين السعودية واليمن ، والنزاع بين البحرينوإيران، وكذلك الكويتوإيران، والنزاع الحدودي بين الكويت والسعودية، وبين العراقوتركيا، وبين سلطنة عمان والسعودية، وسلطنة عمانوالإمارات العربية، والنزاع بين سوريا وتركيا، والنزاع الحدودي بين سلطنة عمان واليمن، والنزاع بين المغرب وإسبانيا، والنزاع الحدودي في تحديد الحدود الإدارية داخل الإمارات العربية المتحدة، والنزاع الحدودي بين السودان ودولة جنوب السودان حول منطقة (ابيي) ، والنزاع الحدودي بين السودان واثوبيا حول منطقة (الفشقة) . إن العلاقات بين الدول حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها، تتزايد وتتشعب هذه العلاقات نتيجة التقدم العلمي الذي أعطى فرص أكثر للاتصال بين الشعوب. ويتولد عن وجود هذه العلاقات بين الدول صور من التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والاجتماعي.. إلخ..كما ينشأ عن وجود (العلاقات الدولية) نزاعات و(صراعات) سببها الخلاف حول أسلوب تنظيم وحكم العلاقات الدولية والذي يرجع بدوره إلى (تشابك المصالح) و(تعارض المصالح) المختلفة لأطراف العلاقة الدولية. فالنزاعات الحدودية هي من جانب صراع على الموارد ولكن قد تكون لها أبعادها الأخرى السياسية، والجغرافية والتاريخية وأبعاد تتعلق بالقوة والهيمنة للجماعات أو الدول. فالحدود ليست إطار مكاني مجرد، أو مجرد خطوط على خريطة وإنما في الواقع هي أشمل من ذلك بكثير، إذ يتضمن هذا المصطلح الحديث عن (السيادة) و(الشرعية) والوجود، إضافة إلى التفاعلات مع الكيانات المجاورة. وبناءً على ما تقدم تظل (الحدود) موضوعاً شائكاً ومعقداً يتطلب دراستها وفهمها وتحليل العوامل التي تؤثر في تخطيطها وترسيمها وتوضيح تأثير هذه (الحدود) على أوضاع الدول وتكوينها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفى نفس الوقت لابد من تسليط الأضواء على الأبعاد التاريخية التي تبين الأسس التي رسمت بموجبها تلك الحدود والظروف والأوضاع الإقليمية والدولية التي ساعدت على وجودها والقواعد التي فرضتها، ومن هذا المنطلق فإن (نزاعات الحدود الدولية) تعد من أهم وأخطر (النزاعات) التي تهدد العلاقات بين الدول إذا لم يتم تسويتها بالوسائل السلمية وخاصة نزاعات الحدود بين الدول العربية وذلك لعدم وجود دقة أو وضوح في تخطيط وترسيم حدودها المشتركة ، وأيضاً الحاجة الماسة لدراسة القواعد والقوانين والمبادئ التي تنظم حل نزاعات الحدود بالوسائل السلمية كاللجوء إلى التحكيم ، أو المفاوضات الثنائية المباشرة ، أو الوساطة . وبالرغم كل ما أثير أعلاه فإننا نؤكد على سودانية مثلث (حلايب وشلاتين) ، ولدى حكومة السودان الوثائق التاريخية التي تؤكد مصداقية ذلك ، ومصر (الجارة) تستخدم (قضية حلايب وشلاتين) كورقة ضغط على (الخرطوم) تستخدمه بين حين وآخر لتحقيق (أغراض) سياسية .. وحتى نرتاح من قضية هذا النزاع (الحدودي) القديم المتجدد فلابد من اللجوء إلى التحكيم أو الوساطة لحل القضية سلميا وودياً ، وفي هذه الأثناء ينبغي على (مصر) ترك الوضع على ما هو عليه في (حلايب وشلاتين) إلى حين الانتهاء من النظر في القضية في المحاكم (الدولية) أو من خلال التحكيم أو الوساطة ..ويجب على الاعلام (المصري) أن يكف عن (ادعاءاته) وتهكماته (اللاذعة) في تناول (قضية حلايب وشلاتين)..بهذا الشكل السافر فعلاقات الشعوب التي تقوم على (منطق) التعالي ، والوصاية على الآخر مرفوضة ، فالعلاقات اي علاقات ثنائية بين دولتين تقوم على احترام مبدأ (الندية) فكلا البلدين دولة مستقلة ذات سيادة كاملة ، وليس لأحد حق فرض الوصاية على الآخر أو أن ينظر إليه ك (التابع) الأمين ..ولنتذكر جميعاً أن النزاعات الحدودية لا يتم (حلها) في المنابر الاعلامية ، ولا يتم حلها بالعنتريات والادعاءات الاعلامية في الفضائيات ، ولا يتم حلها بأسلوب (التهكم والسخرية) في البرامج التلفزيونية .. بل تحل عبر التحكيم أو الوساطة أو المفاوضات الثنائية المباشرة بين الدول .. كما أنها ليست (كرت) ضغط تستغله (المعارضة) لتشويه صورة النظام واثبات ضعفه وتفريطه في آراضي الدولة ، فالنزاعات الحدودية أياً كان نوعها حلها يتم سلمياً وإن تعثر الحل السلمي فليس ثمة خيار إلا (الحرب) وتسيير وحشد (الجيوش) وهذا أسوء الخيارات والفينا مكفينا !