السؤال:أولاً هل يجوز أن أجمع الصلاة بدون نية مسبقة، فقد قام الإمام بعد صلاة الظهر وأقام صلاة العصر دون أن ينبههم على ذلك قبل صلاة الظهر - فهل الصلاة صحيحة؟ ثانيا: معلوم ان الصلاة بعد العصر ممنوعة - فهل فى هذه الحالة يجوز أن أصلى ركعتي السنة الخاصة بصلاة الظهر أم لا تجوز باعتبار أنها أصبحت صلاة بعد صلاة العصر؟ ثالثا: لم حرمت الصلاة بعد صلاتي الفجر والعصر؟ وماذا عن سجود التلاوة في هذين الوقتين؟ جزاكم الله خيرا،،،، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد. فبداية أوصيك وإخوانك المصلين بتقوى الله عز وجل، وألا تجعلوا المسجد ساحةً للخلاف ورفع الأصوات وإثارة الضغائن، بل عليكم أن تتحابوا وتتعاونوا ويرفق بعضكم ببعض، وما يثور من خلاف فقهي فواجب عليكم في حله أن تلجئوا إلى من تثقون بدينه وعلمه ليفتيكم فيما أشكل عليكم؛ عملاً بقول ربنا جل جلاله {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إنما شفاء العِيِّ السؤالُ» وعليكم كذلك أن تنزلوا على قول إمامكم؛ لأنكم ما قدَّمتموه للصلاة بكم إلا لاعتقادكم بأنه الأقرأ والأعلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كانوا سواءً فأعلمُهم بالسنة؛ فإن كانوا سواء فأقدمُهم سلما» وفي خصوص ما سألت عنه فإن العلماء رحمهم الله وضعوا قاعدة قالوا فيها: الجمع أوسع من القصر، بمعنى أن القصر لا يبيحه إلا السفر؛ وأما الجمع فإنه يجوز في السفر والمطر والوحل والمرض وكذلك حين المشقة، وقد استدلوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر» قيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته. رواه مسلم، وقد حمل الجمهور هذا الحديث على أن ذلك الجمع كان بسبب المرض، وأنه ما ينبغي للعبد أن يتخذ ذلك عادة فيجمع بين الصلاتين من غير سبب موجب، وقال بعضهم: إن الجمع المذكور صوري بأن يكون أخَّر الظهر إلى آخر وقتها وعجَّل العصر في أول وقتها. قال النووي رحمه الله تعالى: وهذا احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل. قال الحافظ ابن حجر: وهذا الذي ضعَّفه قد استحسنه القرطبي ورجحه إمام الحرمين وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به. قال الحافظ أيضاً: ويقوِّي ما ذُكر من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع، فإما أن يحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر وإما أن يحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث فالجمع الصوري أولى والله أعلم. ا.ه قال الشوكاني رحمه الله تعالى: ومما يدل على تعيين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ: «صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعاً أخَّر الظهر وعجَّل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء» فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري. ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخان عن عمرو بن دينار أنه قال: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال: وأنا أظنه. وأبو الشعثاء هو راوي الحديث عن ابن عباس كما تقدم، ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري ما أخرجه مالك في الموطأ والبخاري وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها» فنفى ابن مسعود مطلق الجمع وحصره في جمع المزدلفة مع أنه ممن روى حديث الجمع بالمدينة كما تقدم وهو يدل على أن الجمع الواقع بالمدينة صوري ولو كان جمعاً حقيقياً لتعارض روايتيه والجمع ما أمكن المصير إليه هو الواجب؛ ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري أيضا ما أخرجه ابن جرير عن ابن عمر قال «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما» لكن لو حصل ذلك بسبب مرض أو مشقة فلا حرج إن شاء الله؛ لأن مبنى ديننا على اليسر {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} والجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر هو مذهب جمهور العلماء لاجتماع مشقة المطر مع الظلمة، وأما الجمع بين الظهر والعصر في حال المطر فهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى. وأما اشتراط تقديم النية قبل الجمع فقد ذهب إلى ذلك جمع من أهل العلم؛ وذهب آخرون إلى عدم اشتراطها، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: الأمر الثاني: نية الجمع وهي شرط لصحة الجمع على المذهب، وقال المزني وبعض الأصحاب لا تشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع . ولم ينقل أنه نوى الجمع ، ولا أمر بنيته، وكان يجمع معه من تخفى عليه هذه النية، فلو وجبت لبيَّنها. ودليل المذهب أن الصلاة الثانية قد تفعل في وقت الأولى جمعا، وقد تفعل سهوا فلا بد من نية تميزها. انتهى. واختار الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى وتلميذه ابن القيم رحمه الله أيضاً عدم اشتراط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين جمع تقديم. قال رحمه الله: وهو قول الجمهور من العلماء، وقال: والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأصحابه جمعا وقصرا لم يكن يأمر أحدا منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها ثم صلى بهم العصر ولم يكونوا نووا الجمع وهذا جمع تقديم. انتهى. وعليه فإن صلاتكم صحيحة وإن لم يخبركم الإمام قبلها بنيته في جمعهما، والعلم عند الله تعالى. ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺩ ﻋﺒﺪﺍﻟﺤﻰ ﻳﻮﺳﻒ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺑﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ