إمرأة عظيمة... عاشت في تلك الصحراء القاحلة التي تفصل ما بين أم درمان ودنقلا... كانت (قهوة أم الحسن) هي المفضلة لسائقي اللواري والبصات السفرية في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي ماقبل سفلتة طريق شريان الشمال .. كانت تستقبل ضيوفها ببشاشة يحسدها عليها أعظم خبراء التسويق، وتقدم خدمتها ببراعة أهل الفنادق ذات الخمسة نجوم... وجبة الفول التي كانت تقدم من يد (أم الحسن) ذات مذاق خاص ، وكوز الموية من تلك " القرب " الضخمة يروي الظمأ ويفيض ، خاصة عندما يضربها نسيم الهمبريب ، أكثر من 40 عاماً كما ( وثق لها ) ظلت تقدم تلك الخدمات الضرورية لركاب ذلك الطريق الوعر الذي مات فيه كثيرين عطشا وتوهانا في صحرائه الجرداء التي تنعدم فيها الحياة . " أم الحسن " ليست محطة أو قهوة في طريق أم درمان فحسب، ولكنها كانت مكاناً يبعث في النفس السكينة والإطمئنان ، وأم الحسن رحمها الله رغم إنعدام حظها من التعليم فقد كانت تتصرف كما يوجه خبراء التسويق ، فكانت لا تنتظر حتى يدخل عليها العملاء بل تخرج لاستقبالهم في حفاوة وإحتفاء . كما أنها كانت تطبق معايير الجودة الشاملة وهي نظرية تدرس منذ زمان طويل !. كما لك أن تتخيل كيف تقوم هذه المرأة الطاعنة في السن بالمشاركة في كل الأعمال الخاصة بخدماتها فهي تنشل الماء من أعماق اﻵبار ، وتقوم بتقديم الشاي وغير ذلك بنفسها لتضمن جودتها .. وكم أحزنني أنها كانت تقوم بهذه الخدمات المرهقة حتى بعد أن تقدم بها العمر وضعف بصرها . كانت " ﻷم الحسن " ذاكرة خارقة تحفظ جميع أسماء الناس وقراهم ومواطنهم ..وأن لم تراك من قبل فإنها تشبهك على أخيك أو والدك ودائماً ما تكون صائبة . كما يروي عدد من معاصريها . كما أن لها فراسة وذكاء تستطيع بهما معرفة السائق قبل أن تراه بمجرد سماعها لصوت " اللوري " من على البعد مستعينة بخبرتها التراكمية على طريقة (تبديل السرعات) لدى كل سائق ، وعلى التو تقوم بنفسها أو تأمر معاونيها على إعداد الطعام لفلان وهي تذكره بإسمه وبالفعل يكون هو نفسه فلان ! . هذه حقيقة مشهود لها بها رواها " شهود عيان " ، ومرارا إختبروها لمن يكون صوت " اللوري " القادم فتجيب إجابة الواثق من نفسه ويصح ما تقول . نسال الله لها الرحمة الواسعة بقدر ما قدمت من خدمة للناس وأطعمت وسقت واهتدى بنور " قهوتها " كل ضال إلى جادة الطريق . إلى لقاء ... بقلم : محمد الطاهر العيسابي