القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الداعية الشيخ عطية محمد سعيد يُقلّب صفحات العمر
نشر في النيلين يوم 02 - 08 - 2015

رفاق هاشم العطا اعتقلوا زوجتي لأنها هتفت ضد 19 يوليو
الشيوعيون صادروا (كشكي) بحجة أن الأمريكان يمولون عبره نشاط الإخوان المسلمين
مكتبتي بها ست وثلاثون موسوعة ثلاث وعشرين منها باللغة الإنجليزية.
كنت ضمن أول ستة أشخاص اعتقلهم نظام مايو
تكشفت لنا أشياء غريبة في قصة اندحار انقلاب هاشم العطا وعودة نميري
قلت لمن استنكر اشتغالي بالفلك: الخواجات الكفار قالوا لنا ملك الله واسع، فهل نقول لهم أنتم كذّابون؟
“””””””””””””””””””
حوار: حسن عبد الحميد
في هذه السلسلة من الحوارات، نحاول أن نسلط الضوء على الجوانب الخفيَّة في حياة بعض الذين ارتبطوا لدى الذاكرة الجمعية للشعب السوداني بالإشراقات وربما الاخفاقات.
ونسعى من خلال ذلك إلى تتبع سيرة من أسهموا سلبًا أو إيجابًا في حركة المجتمع والسياسة، وبالطبع نهدف إلى تقليب أوراق حياتهم المرتبطة بالجانب العام، دون أن نتطفّل على مخصوصاتهم، حال لم تكن ذات علاقة مباشرة بالشأن العام. دافعنا في كل ذلك أن نعيد كتابة الأحداث والتاريخ، بعد أن تكشّفت الكثير من الحقائق المهمة، حول كثير من الوقائع التي أثرت في المشهد السياسي السوداني.
أ‌- أولاً نتعرف على الشيخ من حيث الميلاد زمانه ومكانه، والأصول الأسرية؟
أنا عطية محمد سعيد، ولدت في منطقة “عصار” بولاية القضارف محلية القلابات في العام 1933م، وأنا نتاج لخلطة من القبائل، فأبي حمراني شريفي والحمرانية قبيلة على الحدود بين أرتريا والسودان، وأم والدي كردية تركية، وأمي مغربية ليبية قدافية، وقد هاجر أجدادنا من المغرب العربي إلى السودان قبل خمسمائة عام.
ب‌- بداية حياتك كانت عيدة عن المدينة وصخبها؟
بالضبط، فقد نشأت نشأة قروية وسط المزارعين، ووالدي كان في الجيش، واشترك في الحرب العالمية الثانية، وقاتل في معارك طبرق والعلمين وبرقة، وعاد سالماً من الحرب مع أن كثيراً من زملائه قُتلوا. دخلت خلوة عمي عمر الفكي عطية، ودرست المرحلة الأولية في عصار والوسطى في القضارف، ولم أواصل التعليم النظامي بعد ذلك.
ت‌- تزوجت عدة مرات أولاها حين كنت طالباً .. دعنا نقترب من هذه القصص؟
تزوجت أول مرة في العام 1951م، وكنت طالباً وقتها في المرحلة الوسطى، وأنجبت أول أطفالي في العام 1952م، وزوجتي الأولى من القضارف من الأشراف، ثم تزوجت الزوجة الثانية من بري في العام 1964م قبل ثورة أكتوبر بشهر، وتزوجت للمرة الثالثة بعد خروجي من السجن في العام 1972م، وزوجتي الرابعة من بربر تزوجتها في العام 2008م. لي بحمد الله خمسة عشر من الذرية من الأولاد والبنات، منهم ستة أولاد، وتسع بنات.
ث‌- ثم تركت ولاية القضارف وجئت للعاصمة الخرطوم .. ترى ما السبب؟
ثمة قصة عجيبة وراء تركي للقضارف، ففي عام 1961م حدث لي حادث نجوت منه بأعجوبة بحمد الله تعالى، فقد انهارت البئر وكنت داخلها أقوم بصيانتها، وأصر والدي أن أترك القرية والعمل في الزراعة، فذهبت للخرطوم واشتغلت ببيع الصحف، ثم كان لي صندوق لبيع الكتب أمام الجامع الكبير بأم درمان والجامع الكبير بالخرطوم، وبعد ذلك امتلكت كشكاً لبيع الكتب أمام داخلية طلاب جامعة الخرطوم، وكان هذا مصدراً مهماً في مسيرتي العلمية والمعيشية.
ج‌- جئت للخرطوم وأنت في العشرينات وبدأت بكشك للجرائد.. فهل توسعت في هذا الجانب؟
جداً.. إذ أسست دار القلم مع المرحوم عبد القادر عبد المنعم بعمارة التأمينات بشارع الجمهورية بالخرطوم. وفي عام 1969م وفي أول يوم لانقلاب مايو تم اعتقالي في سجن كوبر، وتعطلت أعمالي في كشك الكتب، وقد قام الشيوعيون الذين استولوا على الحكم بمصادرة الكشك بحجة أن الأمريكان والسعوديين يمولون نشاط الإخوان المسلمين من خلال هذا الكشك.
ح‌- حدثنا عن حكاياتك في السجن وبعدها؟
حصاد دخولي للسجن كان أربع مرات في فترة مايو، وبعد خروجي الأخير من السجن، اغتربت في الكويت في الفترة من العام 1974م إلى العام 1982م حيث عدت للسودان واشتغلت في مجال المقاولات. ومن الطرائف في هذا المجال أني عملت في استيراد المفرقعات، فقد كنا نستورد الديناميت، وذلك لاستخدامه في حفر الآبار في ولاية القضارف. وأذكر أن الضابط المفتش عندما ذهبت إليه بخصوص الترخيص لاستيراد الديناميت قال: (يا مولانا شكلك لا يشبه شغلك)، ثم تساءل: (كيف نطمئن لك وأنت معروف معارض للنظام ومن الإخوان المسلمين، وكيف نضمن أنك ستستخدم الديناميت في الأغراض السلمية فقط)؟ فقلت له دعوا الديناميت معكم في مخازن الجيش ثم اصرفوه لنا بالقطاعي، وفعلاً قمنا بتخزين الديناميت في مخازن الجيش في مباني اللواء الرابع مشاة بالقضارف، وقد ساعد هذا كثيراً في توفير المياه بولاية القضارف.
خ‌- خلال هذه الفترة كيف تقدمت مسيرتك العلمية؟
“خلّصت” المرحلة الوسطى وأنا متزوج، ثم قررت إكمال تعليمي، وحاولت الالتحاق بالأزهر الشريف، ودار العلوم، ومعهد مشتهر الزراعي، والكلية الحربية المصرية، ولكني لم أنجح بسبب قيام انقلاب يونيو 1952م في مصر وتقلص فرص السودانيين في التعليم بمصر حينذاك.
د‌- دربت نفسك بنفسك في مراقي التعلم؟
درجت على وضع برنامج تعليمي لنفسي يجمع بين الثقافة الدينية والثقافة المدنية، وكنت مغرماً بالأدب واللغة منذ المرحلة الوسطى، وهذا البرنامج فيه الأدب واللغات وعلم الاجتماع وغيرها، وأنا مستمر في هذا البرنامج منذ ستين عاماً وإلى اليوم. وقد عمّقت دراساتي اللغوية، ودرست اللغة الإنجليزية وأتقنت القراءة والكتابة والخطابة بها، وذلك عن طريق الاطلاع الشخصي، وعن طريق المراسلة، وكنت أراسل كلية بينت كولج البريطانية، ثم بدأت تكوين مكتبة عامرة أعتز بها، ومكتبتي جامعة لأنواع العلوم المختلفة، وبها ست وثلاثون موسوعة، ثلاثة وعشرين منها باللغة الإنجليزية.
ذ‌- ذكرياتك لا بد أنها تتضمن الانتماء للإخوان المسلمين متى كان انضمامك؟ وما السبب المباشر في ذلك الانضمام؟
ذلك تم منذ أن كنت طالباً في المرحلة الوسطى وحسب اطلاعي في التاريخ الإسلامي والدعوة؛ وضعت لنفسي منهجاً دعوياً، وتعهدت أن أعمل للإسلام عقيدة ودعوة وأعمل عملاً إسلامياً حركياً، وفي العام 1949م سمعت بالإخوان المسلمين وحينها كنت طالباً في المرحلة الوسطى، وقرأت رسائل الإمام البنا وكتابات الغزالي وعبد القادر عودة وغيرهم، وشعرت أن البرنامج واحد، فكنت من أوائل الإخوان الذين انضموا لجماعة الإخوان المسلمين في السودان، وكنت عضواً بمجلس الشورى في الخمسينيات عندما كان مقر الجماعة في نادي أمدرمان الثقافي، وكنت على علاقة بإخواننا الطلاب في حنتوب ووادي سيدنا وخور طقت، وكنت مسؤولاً عن الإخوان في القضارف وشرق السودان.
ر‌- رغم التضييق الذي قابلته كانت لك جولات عديدة في أنحاء العالم، حدثنا عن أهم البلاد التي زرتها؟
رأيت أن أطوف العالم، فتجولت كثيراً في بلدان العالم، وكانت أولى رحلاتي خارج السودان عام 1963م للحج، وقمت بعدها برحلات كثيرة في العالم العربي، حيث زرت سوريا ولبنان والسعودية والخليج بالإضافة لمصر واليمن، وفي أفريقيا زرت كينيا وملاوي وغيرهما، وفي آسيا زرت الهند وبنغلاديش وباكستان، وفي أوروبا زرت بريطانيا وألمانيا وبلجيكا وتركيا. ومعظم هذه الرحلات كانت علمية وكانت هناك أسباب أخرى تجارية مثلاً.
ز‌- زرت كثيراً السجون والمعتقلات، وعطفاً على ذلك قص لنا ابرز حكاياتك داخلها؟
زمن طويل قضيته في معتقلات مايو، أول مرة جرى اعتقالي فيها كان في مايو 1969م عند قيام انقلاب نميري، وكنت ضمن أول ستة أشخاص تم اعتقالهم بسجن كوبر، وكان معنا د. حسن الترابي، ياسين عمر الإمام، صادق عبد الله عبد الماجد، عبد الرحيم حمدي، والزعيم الأزهري جاء إلى السجن بعدنا بيومين، وحسن عثمان رزق الذي كان طالباً وقتذاك. واستمر الحال بنا في السجن لستة أشهر، وطلبوا مني كتابة تعهد فرفضت، وطالبت بإطلاق سراحي والاعتذار لي، أو محاكمتي، أو فلن أقبل بغير ذلك.
س‌- سجّانوك ورجال الأمن كيف كنت تتصرف معهم؟
سجالاتي معهم كثيرة، وكانت لي مناقشات حادة مع ضباط السجن ورجال الأمن، وطلبوا رأيي في الثورة، فقلت لهم منذ قامت ثورتكم وإلى الآن أنا في السجن فأخبروني ماذا فعلت ثورتكم حتى أقول لكم رأيي فيها.
ش‌- شيوعيو يوليو 1969م أودعوك السجون فكيف تعاطيتم وتعاطى معكم شيوعيو مايو 1971م .. كيف تعاملتم مع انقلاب هاشم العطا؟
شعرنا بانقلاب يتم على نميري، ففي أيام انقلاب هاشم العطا (يوليو 1971م) جاءني الأخ عبد الله عمر وكان طالباً وقتذاك ووكيلي في كشك الكتب بالقرب من الجامعة (وهو الآن سفير)، وقال لي هناك إطلاق نار في القيادة العامة، فقلت له هؤلاء الشيوعيون قاموا بالإنقلاب على نميري، ثم ذهبت إلى الخرطوم لنستطلع الذي حدث، فرأيت في السوق العربي أكثر من ألف راية حمراء تؤيد الانقلاب الشيوعي، وحاولت الاتصال ببعض الإخوان لعمل شيء مضاد للشيوعيين.
ص‌- صرتم بين انقلابين شيوعيين أحلاهما بالنسبة لكم مر؟
صدمتنا في اليوم الثاني بعض هتافات الشيوعيين ضد القذافي، ولمّا استفسرت علمت أن القذافي قام باعتراض طائرة تقل بابكر النور وفاروق حمد الله وهما من قيادات الانقلاب وقام باعتقالهما، ثم سمعنا بالطائرة التي سقطت في البحر بعد أن أقلعت من جدة وكان على متنها مجموعة من قيادات البعثيين جاءت تؤيد الانقلاب، وبعد ذلك أصيبت الحكومة بالاضطراب، وقامت بتصفية مجموعة من الضباط بقصر الضيافة (15) ضابطاً، وقمنا بتكوين لجنة لمقاومة الانقلاب بجامعة الخرطوم تضم قيادات الجبهة الوطنية من الإخوان المسلمين والأنصار والاتحاديين وقد كنت عضواً بها، وسيّرنا مظاهرات ضد الشيوعيين في السوق العربي وأمام القيادة العامة وأمام القصر الجمهوري، وقد صعدت إلى دبابة أمام القيادة العامة وخطبت ضد الانقلاب، وأمام القصر طلب منا الضابط أن نتفرق وإلا أطلقوا النار، وفعلاً أمامنا أطلقوا كمية من الرصاص ظننت أن نصف سكان الخرطوم قد قُتلوا بها.
ض‌- ضمت تلك الفترة أحداثاً جسام لك ولأسرتك؟
ضرورة القضاء على الانقلاب الشيوعي كان يؤرقنا، ذهبنا بالليل إلى مستشفى الخرطوم ورأينا الثلاجة مليئة بالموتى وآلاف الجرحى بالمستشفى، ثم عدت إلى البيت فوجدت أن زوجتي تم اعتقالها لأنها كانت تهتف ضد الانقلاب، وتعهدنا نحن الإخوان المسلمين أن نقاوم الشيوعيين وأن نحول بينهم وبين الحكم إلى أن نموت جميعاً، وبعد ذلك عاد نميري في اليوم الثالث من الانقلاب.
ط‌- طاح انقلاب هاشم العطا بسرعة.. كيف عاد نميري للسلطة بهذه السرعة بعد نجاح الانقلاب واستيلائه على القيادة العامة والإذاعة وتشكيل حكومة جديدة؟
طريقة فشل انقلاب هاشم العطا كانت عجيبة، فقد تكشفت لنا أشياء غريبة في قصة اندحار انقلاب هاشم العطا وعودة نميري، والبعض يعتقد أن عودة نميري كانت عن طريق تمرد سلاح المدرعات، والحقيقة غير ذلك، فقد علمنا أن هاشم العطا في أول انقلابه جمع ضباطاً وجنوداً من سلاح المظلات، وأساء إليهم إساءات بالغة وطردهم من الخدمة بعد شتائم بذيئة، والحقيقة الغائبة حتى الآن أن هؤلاء العساكر من سلاح المظلات ذهبوا إلى الشجرة في زي مدني، وبعضهم جلس في المقاهي القريبة من سلاح المدرعات بالشجرة، وبعضهم اقتحم سلاح المدرعات، وركبوا المدرعات وساروا بها في الشوارع فركب معهم زملاؤهم العساكر بملابس مدنية، لذلك ظن الناس أن الجماهير امتطت المدرعات وخلصت نميري، وهذه المدرعات كان لها دور حاسم في عودة نميري بعد استهدافها للقصر والقيادة العامة.
ظ‌- ظللتم على علاقة بالمعتقل حتى بعد اندحار الانقلاب.. كيف عدت مرة أخرى للسجن؟
ظلمني الشيوعيون مرتين، فقد اعتقلت بعد انقلاب مايو، والغريبة بعد اندحار انقلاب هاشم العطا بأقل من أسبوع قام الأمن باعتقالي في سجن كوبر ولم أدر لماذا، وسألني ضابط السجن هل قمت بتأييد هاشم العطا في المظاهرات أو أرسلت له برقية مساندة وتهنئة؟ فقلت لهم أنا ضد هاشم العطا عندما كان مع نميري، وأنا الآن ضد نميري وهاشم العطا معاً فكيف أؤيده؟
ع‌- عند دخولك السجن بعد اندحار محاولة هاشم العطا.. ماذا وجدت هناك؟
عجبت أنني لمّا دخلت السجن وجدته مليئاً بالشيوعيين بعد اندحار انقلابهم، وكنت غريباً بين الشيوعيين ولا أدري لماذا اعتقلوني مع هؤلاء، ومكثت في السجن ستة أشهور وعشرة أيام، وعندما خرجت قلت لضباط السجن المدة التي قضيتها بدون ذنب أكبر من عدة المطلقة وأكبر حتى من عدة المتوفى عنها زوجها ولا أدري لماذا مكثت كل هذه الفترة في السجن.
غ‌- غادرت المعتقلات بعد ترداد عليها في أواخر أيام نميري في مارس 1985م، كيف كانت تجربتكم الأخيرة معها؟
غداة اعتقال نميري لقيادات الإخوان في مارس 1985م كنت من بينهم، وتم توزيعنا بين سجون كوبر ومدني وكسلا وبورتسودان وشالا في غرب السودان، وقد تم اعتقالي من القضارف وذهبوا بي إلى سجن كسلا، وكان معي في سجن كسلا الدكتور الترابي والمهندس آدم مادبو من حزب الأمة، ومحمد سيد أحمد القاضي، ودهب محمد صالح، وبعد ذلك قرروا أن يعيدوننا إلى الخرطوم وكانت المظاهرات قد عمت البلاد، وكنا في الطريق إلى المطار نهتف ضد الحكومة، فطلب من الضابط التزام الصمت، فقلنا له لن نصمت ماذا ستفعل بنا نحن أصلاً معتقلون.
ف‌- فاجأ نميري الإخوان باعتقال قادتهم بهذه السرعة وكانوا حلفاءه إلى عهد قريب، ماذا وجدتم عند وصولكم للخرطوم وأنتم معتقلون؟
في لحظة دخولنا إلى الخرطوم كانت بها مظاهرات عنيفة وظللنا نهتف ضد الحكومة، فجاءنا ضابط بوليس كبير في السن وطلب منا أن نتوقف عن الهتاف لأن هؤلاء لا يخافون الله وقد يقتلوننا، فقلنا له جزاك الله خيراً فليقتلوننا لأننا أصلاً نريد الشهادة. ووصلنا سجن كوبر.
ق- قام المشير سوار الذهب بإذاعة بيان انحياز الجيش للشعب وأنتم داخل السجن.. كيف تلقيتم ذلك الخبر المفرح؟
قمنا بالتكبير والتهليل.. ففي يوم الجمعة كنا نواصل برنامجنا داخل السجن في التلاوة ثم الرياضة، وفجأة سمعنا يوم 6 أبريل 1985م أن المشير سوار الذهب قد استلم السلطة، فقمنا بالتكبير والتهليل لأننا نعرف أن سوار الذهب ليس شيوعياً وهو عسكري مستقيم، وبعد قليل سمعنا بهتافات خارج السجن، ثم اقتحمت الجماهير السجن ووجدناهم معنا في الزنازين، وأخرجونا من السجن.
ك – كيف تصرفتم بعد خروجكم من السجن بعد الانتفاضة؟
كالعادة ذهبت إلى منزلي ببري ومعي بعض الإخوة المعتقلين من الأقاليم، وفي اليوم التالي ذهبت إلى سجن كوبر وقابلت الضابط، فقلت له نحن أمس خرجنا من السجن اضطراراً بسبب اقتحام الجماهير للسجن، وحتى لا تحسبوا أننا قد هربنا ها قد عدنا إليكم، فإن كان لكم إجراءات معي فاتخذوها، فقال لي مبروك يا مولانا خروجك من السجن، أتدري من جاء مكانكم في السجن؟ إنهم قادة نظام مايو وبينهم أبو القاسم محمد إبراهيم أبرز قادة مايو، والدكتور أبوساق الذي توعدنا قبل أيام وقال عن الإخوان المسلمين سنصطادهم مثل الأرنب ونسحقهم مثل العقارب، وبينهم أيضاً الأستاذ علي شمو.
ل- لأنكم تعرفون رجال مايو جيداً.. هل كنتم تنظرون إليهم نظرة واحدة؟
لا طبعاً، ففي مايو رجال نزيهون ولم يكونوا على درجة واحدة من السوء، وأذكر أنني قلت لضابط السجن بلّغ تحياتي للأستاذ علي شمو لأنه رجل نظيف، وأنا أعرفه، أما بقية قادة نظام مايو فقل لهم إن الإخوان المسلمين لهم رب حفظهم، ولهم شعب أخرجهم من السجن، فابحثوا لكم عن رب وشعب.
م – مجال الدراسات الفلكية.. كيف بدأت اهتماماتك بدراسة الفلك؟ من أين جاءت هذه الرغبة؟ ومتى؟
منذ أن كنت صغيرا كنت مهتما بالفلك، ودراسة الفلك تابعة لدراسات سابقة ولاحقة، وأنا لم أدرس جامعة، ولكني بدأت أطلع منذ فترة باكرة من عمري لأفهم الإسلام بصورة أعمق، وبدأت بصورة مبسطة منذ أن كان عمري (18) سنة ومستمر في الاطلاع حتى الآن، وتعمقت كثيراً في الاطلاع.
ن – ندلف إلى الآيات التي تتحدث عن الفلك ودورها في تبحرك في هذا المجال؟
نظرت منذ وقت مبكر إلى الإشارة الكثيرة للسموات والأرض في القرآن الكريم مثل الآيات التي تحدثت عن السماء والطارق، والشمس وضحاها، والقمر قدرناه منازل..، والقمر إذا تلاها… إلى غيرها من الآيات الكريمة، كل هذا جعلني أبدأ البحث في الفلك، وكان قائدي في ذلك القرآن الكريم، ولم أجد في كتابات المعاصرين العرب في ذلك الوقت ما يشفي غليلي، فبدأت أرجع لبعض المراجع الأجنبية، واطلع على تاريخ العرب في علم الفلك، وهي تقع ضمن ما يسمونها علوم الهيئة، فالعرب بحثوا في مجالات الزراعة والبيطرة والأدوية والفلك، وكانت لهم ثروة علمية جيدة، جزء منها من ملاحظاتهم، وجزء مما ترجموه من الرومان والفرس.
ه – هذا بالنسبة لك، ولكن ما فائدة الفلك للمسلم العادي؟
هنا مسألة مهمة أود أن ألفت نظر المسلمين إليها، وهي أن الفلك بالنسبة للمسلم مهم، والذي لا يعرف الفلك والكون لا يعرف الله حق معرفته، فمهما تبحرت في علوم القرآن والفقه والعربية فانت محتاج للتفكر في الكون والسماوات والأرض، إذا نظرنا إلى الأرض التي نشأنها فيها، أين هي في ملكوت الله؟ وهي كم تساوي؟ فمثلاً الشمس أكبر من الأرض بكم مرة؟ والمعلومات الفلكية تشير إلى أن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة. إذن الأرض صغيرة جداً بالنسبة للشمس، والشمس لها كواكب أخرى تابعة لها، وهي أجسام باردة غير مشعة وليس لها حرارة، وتدور دورة معينة وبحسابات معينة حول الشمس وحول الأرض، ودراسة هذه الأشياء تعمق الإيمان، والمسلم ملزم بالصلاة تجاه القبلة، فإذا كان المسلم في سفر فإن أول سؤال يسأله: أين اتجاه القبلة؟
و – ومع ذلك.. ألم يستغرب البعض لاهتمامات الشيخ عطية بالفلك وهو معروف كداعية وفقيه يشتغل بالعلوم الشرعية؟
وجدت خلال محاضراتي أن البعض يستغرب ذلك فعلاً، وفي إحدى المحاضرات التي قدمتها عن الفلك وأوردت فيها مثل هذه المعلومات، سألني أحدهم كيف تعرفتم إلى ذلك؟ وما هو دليلكم؟ فقلت له الخواجات الكفار قالوا لنا ملك الله واسع، فهل نقول لهم أنتم كذابون؟ أما أنا المسلم فأقول إن ملك الله أوسع من ذلك. وفي سورة الملك (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ. وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ). فكل هذا الذي نقوله في إطار السماء الدنيا، فما بالك ببقية السماوات السبع التي أخبرنا بها الله تعالى؟
ي – يثور في الختام تساؤل: كيف نربط بين دراسة الفلك والحقائق القرآنية وزيادة الإيمان؟
يقيني أن بعض الناس الذين درسوا الفلك علي أيدي الخواجات يحسبون النجوم كما يحسبون البيض في السلة دون تفكر، والله تعالى يقول عن الكرسي مثلا (وسع كرسيه السموات والأرض) وفي الحديث (السماوات السبع في الكرسي كسبع دراهم في فلاة) أي مثل عملات معدنية ملقاة في الصحراء، والعرش يسع الكرسي والسماوات وهو أوسع من ذلك بكثير، والله تعالى هو الذي خلق العرش والكرسي والسماوات وما حوت (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.