كما لو أنه يستوقد مشعل وصيته من آخر الوصاية النبوية (ببعثة أسامة) رضي الله عنه، والشيء بالشيء يذكر، قيل إن آخر وصية وسؤال للرئيس الراحل جعفر نميري، وهو على سدة الحكم، كان عن (بعثة بنك العمال)!! مبادرة نقابة العمال التي تعهدها الرئيس نميري يومئذٍ وتركها عهدة في رقاب الأجيال وذمة التأريخ، فقيض الله لها من يحملها حتى تصبح واقعاً معاشاً، على أن ثمة دﻻﻻت قيّمة من وراء اهتمام الرئيس نميري بتخصيص بنك للعمال، العمال ملح الأرض، كما لو أن نميرى، طيب الله ثراه، لا يريد أن يمضي إلا وهو قد وضع بعض الأرصدة في حساب مستقبلهم!! * فلما كان الأخ عبدالوهاب محمد أحمد (أمين مجلس إدارة بنك العمال الوطني)، الرجل الذي يمتلك (النسخة الأصلية) من مسيرة وتأريخ هذه المؤسسة العمالية، لما كان يستعرض صورة أول اجتماع لبلورة فكرة نقابة العمال.. الصورة تضم إلى جانب الأخ عبدالوهاب الراحلين نميري وعزالدين السيد الذي كان له دور مفتاحي مهم، رحمهما الله رحمة واسعة، ثم صورة لاحقة للسيد الصادق المهدي رئيس مجلس الوزراء السابق، وهو يفتتح البنك رسمياً فيما بعد، قلت.. هلا اكتملت هذه اللبنة بدخول الرئيس البشير إلى حلقات هذه المؤسسة!! فلم يمض طويل وقت حتى تحققت تلك الصورة والبنك يضيف إلى ألبومه صورة الرئيس البشير، وهو يفتتح فرع البنك بالأبيض.. كما للرئيس البشير أدوار داعمة للبنك يسأل عنها البروف غندور والباشمهندس يوسف علي!! * فلو أن هناك مؤسسة سودانية واحدة، والحال هذه، يحق لها أن تحتفل بصفة (القومية)، لكانت هذه المؤسسة بامتياز هي مؤسسة بنك العمال الوطني، وهي تتمدد على ثلاثة عهود سودانية قابلة للاتساع والانفتاح على مقبل التاريخ السوداني، كما انفتحت من ضيق خصوصية الفئة إلى سعة وشمولية التعامل في كل ضروب التجارة مع كل القطاعات، وإن انطلقت مسيرتها من ساحة العمال القومية، أنعم وأشرف بها من ساحة معفرة بأنفاس الشغيلة ومعطرة بعرقهم ومطرزة بلوحات عطائهم الثر الممتد.. فقديما قيل إن الحياة يصنعها البسطاء !! * كنت خلال أسبوع مضى أتصفح كتاب تأريخ هذه المؤسسة وأتسوق في رؤى وأشواق مستقبلها، فطربت حين رأيت أن قيادة البنك توكل ربما لأول مرة إلى أحد أبنائه الخلص، ألا وهو السيد محمد إقبال بابكر كرار، الذي ترعرع وتدرج خلال عقدين من الترقي الوظيفي في البنك، فبعض المؤسسات تحتاج إلى (غبينة) وولاء بمواصفات طاغية وصاخبة، لما تصبح المؤسسة (الفكرة والهدف) رسالتك التي من أجلها تقاتل وتحيا !! وطربت مرة أخرى والبنك على هامش مواسم أنشطة مؤتمراته يتبنى مشروع إحياء التعاونيات، تكملة لأطروحة توفير قوت العاملين ومناهضة لاستبداد الأسعار ودكتاتورية الأسواق !! * شكراً لكل الذين جعلونا نحتفل، شكراً لأجيال العمال المتلاحقة الذين خرجوا من هذه البطن (الودود الولود).. عبدالله نصر قناوي رئيس الاتحاد (صاحب الفكرة)، ومحمد عثمان جماع كأول رئيس مجلس إدارة للبنك، رحمهما الله وأمد في أيام السيد تاج السر عابدون رئيس مجلس الإدارة الأسبق، وبالأمس مر من هنا البروفيسور غندور إلى منصات الخارجية، كواحد من أنصع منتوجات العمال الباهرة، واليوم يتصدر مجلس آخر بزعامة المهندس يوسف علي عبدالكريم.. شكراً جميلاً الأستاذ عبدالوهاب محمد أحمد (ضابط إيقاع) هذه الملحمة الطروب.. ويشكر بالفخر دور اتحاد العمال والجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي والصندوقين، ونحن بين يدي دورة نقابية جديدة على جمهور العمال أن يستصحبوا مسيرة البنك ووضع رؤى لمزيد من التفعيل.. اتساقاً مع رغبة البنك المركزي في المزيد من التمكين للمصارف الفئوية من أداء دورها.. بنك العمال نموذجاً.. وتستمر المسيرة القاصدة بحول الله وقوته.