إنها حرب المُذكرات داخل حزب المؤتمر الشعبي، لإصلاح ما يمكن إصلاحه، لكن السؤال المطروح، لماذا تفشل هذه المذكرات في تغيير الواقع، إذا عممنا التجربة على جميع الأحزاب؟ وهل هناك فعلًا جدية للتغيير؟ وطبقاً لقراءات المُراقبين فإن جميع الأحزاب السودانية دون استثناء، لا ترغب في إحداث أي تغيير في بنيتها الداخلية، فالقيادات من الصف الأول وحتى الوسيطة لن تترك موقعها إلا للأحسن. الجديد في المسألة، تداول مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع مذكرة باسم (ناشطي المؤتمر الشعبي) وقع عليها (108) من كوادر الحزب، تطالب بعدم الاستجابة لأية مُحاصصات سياسية أو مشاركة في الحُكم، دون الاطمئنان إلى جدية الحكومة في تنفيذ التعهدات الخاصة بالحُريات والحُكم الرشيد. قُبيل اشتعال الحريق، نشطت قيادة الحزب لمحاصرة حالة التململ التي بدأت تتسع وسط كوادر الحزب الشبابية والطلابية، رفضًا لسياسات الحزب ومواقفه من القضايا الساخنة في الساحة السياسية على رأسها الحوار الوطني، والتعديلات الدستورية. وفي محاولة لرأب الصدع، دعا إبراهيم السنوسي، وهو الأمين العام للحزب، مجموعة من قيادات الشباب إلى اجتماع بمنزله، لمناقشة مطالبهم والحد من حرب المذكرات التي بدأت الأسبوع الماضي. وضم الاجتماع (17) شاباً من الموقعين على المذكرة، حيث يطالبون، أيضًا، بضرورة تسريع عقد المؤتمر العام لانتخاب قيادة جديدة للمؤتمر الشعبي. يقول عمار السجَّاد، وهو قيادي بالمؤتمر الشعبي، ل(اليوم التالي)، إن أغلبية أعضاء حزبه من الشباب، ويتمتعون بإرادة نافذة وتأثير غير محدود، وليس لديهم مطالب لهيكلة الحزب أو تولي مواقع دفعتهم لتقديم المذكرة، ولكن لديهم رؤية أخرى حول استراتيجية الحزب بشأن الحوار والحُريات، وضرورة تسريع وتيرة انعقاد المؤتمر العام. مذكرة الشباب دعت إلى عدم المشاركة في الحكومة، إلا بعد إجازة التعديلات الدستورية الخاصة بالحُريات، كما طلبت من السُلطات إطلاق سراح المُعتقلين السياسيين، ووقف الإجراءات التي وصفتها بالقمعية ضد القوى السياسية المعارضة. ويغلب على هذه المجموعة عنصر الشباب، وظلت غير راضية عن سياسات القيادة الحالية منذ وفاة زعيم الحزب، حسن عبد الله الترابي، وعبَّرت عن مواقفها بأكثر من مُذكرة معنونة للأمين العام، إبراهيم السنوسي، تكرر فيها مطالبتها باستعجال انعقاد المؤتمر العام للحزب. بالنسبة إلى الكاتب والمُحلل السياسي، أنور سليمان، فإن معظم المنظومات الحزبية بأطروحاتها القديمة ليس فيها مجال ومُتسع للشباب. ويقول سليمان ل(اليوم التالي)، إن مجموعات الشباب عليها بالبحث عن أرضيات جديدة لتعبر عن رؤاها وأفكارها. وعقد السنوسي اجتماعًا مطولًا مع مُمثلين للمجموعة التي ظهرت في آخر مذكرة باسم “ناشطي الحزب”. وناقش الاجتماع مواقف المجموعة وما ورد في مذكرتهم الأخيرة. ويقول أمين حسين، عضو اللجنة التي التقت الأمين العام، ل(سودان تربيون)، إن الاجتماع ناقش المذكرة وما ورد فيها خصوصًا موضوع الحُريات بتفاصيلها. وأوضح أن اللقاء خلص إلى أن يكون قرار الحزب النهائي من الحوار والمشاركة في الحكومة رهيناً بإجازة التعديلات الدستورية، وأضاف: “إذا لم تُضمن التعديلات الدستورية قضايا الحريات التي دفع بها الشعبي، سيتخذ المؤتمر العام للحزب قرارًا نهائيًا بشأنها”، مبيناً أنه حال تعذر انعقاد المؤتمر العام في وقت وجيز بعد التعديلات، ستتخذ الهيئة القيادية للحزب قرارًا سيكون ملزمًا لعضوية الحزب. ويشير حسين إلى أن الاجتماع مع الأمين العام للشعبي، لم يُحدد ميقاتًا لانعقاد المؤتمر العام للحزب، موضحاً أن توفر الأموال أحد أهم العقبات التي تعترض قيام المؤتمر، لجهة أنه يُكلف نحو مليار ومئتي جنيه، وكشف في ذات الوقت عن تشكيل تسع لجان لجمع الأموال والترتيب لانعقاده. ويقول عمَّار السجَّاد، ل(اليوم التالي)، إن الأمين العام للحزب، اعتبر المُذكرة تفلتات تنظيمية، لكنه رأى ضرورة الجلوس إلى الشباب والاستماع إلى رؤاهم، موضحًا أن ملاحظات الشباب أشارت، بشكل واضح، إلى اضطراب موقف الحزب بشأن الحوار والحُريات، وهل المؤتمر الشعبي حكومة أم معارضة؟ وطبقًا لمصادر بالحزب فإن السنوسي، استطاع امتصاص حماس أصحاب المذكرة، وأن اللقاء سادته الإيجابية وتقبل الأمين العام الآراء بروح طيبة، هازمًا التوقعات التي كانت تُشكك في احتمال قبوله بعقد الاجتماع من الأساس. وفي تحليله للأوضاع بشكل عام، يقول أنور سليمان، إن الشباب في كل الأحزاب، ليس باستطاعتهم مصارعة من أسماهم ب”الديناصورات”، باعتبار أن الصراع سيُفضي إلى حالة عدمية، وأشار إلى أن روشتة الدواء أساسها “الفراق” بدون رجعة، والبحث عن بدائل ومشاريع تستوعب طاقاتهم.