أكتب إليك للمرة الثالثة، بلا رغبة مني في الحصول على رد، رد يفيض بكامل الأنوثة، لأن مطاردتي العدمية لك هى نوع من الكفاح، وما من حاجة لشرح السبب، صدقيني ما من حاجة لذلك، لأنك اليوم أقرب إلى من عدسة لاصقة، ولا يفصلني عنك سوى هذا البحر الأحمر تماماً كما لو أنه ينبع من شفتيك، ويمكن أن تغمرك أنفاسه إذا لم ينقطع زفيره المالح، ولم يكن والدك بملامحه القاسية عازلاً بيننا، وكارهاً لهذه العلاقة المأزومة، وما نتج عنها من (ظروف خاصة) حالت بيننا، ولم يشفع حتى ولعي وجنوني وتوسلاتي، هل يرضيك ذلك، هل يرضيك يا إبنة البيت الأبيض؟ ليتك تصغين لي، ولو لمرة واحدة، لعاشق في الهزيع الأخير، أضناه التعب والحظر والاعتذار، وفاته قطار العمر دون أن يحتضن تمثال الحرية على مدخل (نيوجيرسي) ودون أن ينهض من كبوة كانت ملتحية بالكامل، وبلغت رتبة (المشير) .. هل قلت لك أن الجوء مختنق اليوم في الخرطوم؟ ممطر ليلا، وحار أيضاً كما نهاراتنا العادية، هو طقس خريفي جاء قبل أوانه، وأشاع لون من البهجة على شارع النيل والحدائق المفتوحة، كأن كل هذه الكآبة والضجر لعنة تحفل بها الشمس، ولا يكتشف الناس حبيباتهم إلا عندما تشد الغيمة تنورتها القصيرة، نحن في بلد يمكن أن تجتمع فيها كل الفصول بيوم واحد، وتصطخب فيها أصوات المدافع والطيور وقنابل الموتر مع زغاريد الحكامات، ومن ثم يغمرها الأسى وحوادث السير والغبار والموت الرخيص، ولا يجرؤ شاعر أن يعترف بأي شيء . هل قلت لك أن (الكوليرا) ولدت بإسم أخر لتكون أقل بشاعة؟ أحياناً (اسهالات مائية) وأحياناً مرض غامض فتاك، يسحب ماء الأجساد بعنف، وينطلق في النيل الأبيض بلا رحمة، ينطلق صوب الخرطوم، ومع ذلك يحاولون موارة الجثث الأدمية لكي يخفوا أثار الوباء الكارثي، لا أجد تعبير أقل فظاعة، هل تصدقي يا إيفانكا أن شيئاً مثل هذا يمكن أن يحدث في عصر والدك ترامب؟ وأن دارفور لا تكف عن الحريق فيولد عهد أخر لأمكواكية، أو يكتشف الناس فجأة أن رجلا تخفي في دهاليز قاعة الصداقة وزور شهادته ليحصل على منصب وزير العدل؟ بل كاد يؤدي القسم! هل قرأتي عن فضيحة بهذا الإفتضاح، أو عن حكومة عريضة لمجرد أن توفر وظائف لساسة عاطلين وبلا مواهب، وبلا خيال ؟! أنا بحاجة لأحكي لك يا عمري، حكاوي ألف ليلة وليلة، وبحاجة لأن نركض معاً تحت المزاريب والمطر وشلالات السبلوقة والدفوف القديمة، ونعلق أقمصتنا المبتلة على حافة الهرم النوبي، ونزحف في الرمال، ربما ليس هنالك الكثير من الأشياء التي يمكن نفعلها بمحاذاة النهر غير المشي والرقص.. ليتك تكونين معي فقط على مدى أربع وعشرين ثانية بالمقرن، أو أكون معكي هنالك في كورنيش جدة، والريتز كارلتون، حتى لا أرهقك بالمشاوير الطويلة، وبخيال جامح، انصب في جسد فارع من فرط الغرابة كأنه أمثولة، وتشبع بالغواية، ترى أي مخلوقة أنتِ، أي مخلوقة يا إيفانكا الجميلة؟ وكيف ستكونين بلباس الإحرام، لو تخيلتك بالنسبة لعاشق مثل عمر إبن ربيعة؟ وتخيلتك منذورة لي، وجسدك النوراني تهرولين به مثل أمنا هاجر بين الصفاء والمروة، لكنك حفيدة لسارة، أجمل نساء الأرض وأم الأنبياء، وجدة جاريد كوشنر زوجك اللعين، لقد رأيته يقودك في ممرات قصر اليمامة مثل عرس أسطوري، وكرهته بشدة، وتمنيته أن يموت ببندقية صيد وزارية تفتك بالغزلان عندنا . أنت تعشقين القهوة الخليجية، لم أكون أتصور ذلك، وأن مزاج البن يشع في مفرق أسنانك وعيناك، وتبتسمين، مثل اليمامة في قصرها العاجي، تحرسك بواخر النفط، وأسوار الملوك العالية وأحلام الأمراء الصغار، يحرسك الشفق الأحمر، وجنون العظمى، وتختالين بفتسان أزرق محذق تزحف فوقه الفراشات البيضاء، تحرسك السيوف العربية المُذهبة، وحتى شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحرس فتاة لعبوب أحبها بجنون وأغار عليها من العالم، وأعرف أنها يمكن أن تتعرى في أي لحظة، فهل من مفارقة ساخرة أكثر من هذا؟ بالطبع هو الدافع نفسه الذي جعلني منذ شهور منغمس فيك، ولا أستطيع أن أتخى عنك، لأنك تجسيد هائل لمعنى القوة والسيطرة، لأنك منيعة وغالية، وبامكانك أن تحمي قصة حبنا من العواصف والخطر، أو من أي حريق يندلع في الجوار، وبلا هذا لا يمكن أن نفطن أبداً إلى حرف هارب بين الحب والحرب .