مهما أعملت فكرك لتخمن طبيعة مهام مساعدي رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري، فإنك لن تنفك تذكر تصريحات كبير مساعدي الرئيس الأسبق، وزعيم حركة تحرير السودان مني أركو مناوي التي وصف فيها دوره كمساعد في مؤسسة الرئاسة بدور (مساعد الحلة). ومساعد الحلة في الثقافة الشعبية هو طفل يلازم الرّحالة في تسفارهم، وليس له من جسيم المهام، سوى طهي الطعام للملازمين له، ممن يقومون بكل شئ ذي بال. وفي أعقاب إعلان حكومة الوفاق الوطني، ها نحن أولاء نحاول تعريف قارئ (الصيحة) الأغر بمهام مساعدي الرئيس، ومن منهم الدينمو في تحركاته، ومن منهم قريب من نعت مناوي. مستوى آخر بعيداً جداً عن توصيفات مناوي، حلّق د. نافع علي نافع بمهام مساعد الرئيس إلى سماوات بعيدة، حيث كان الرجل –على عهده- يتحرك حتى لتحتار في الجبة التي يرتديها.حيث كان نافع يمسك بملفات عدة، فهو يوقع الاتفاقات الكبرى باسم الحكومة، ويقود البعثات العلى، ويحاور القوى السياسية ثم يذمها بذات الجدية، ثم هو يقول رأيه الصريح في كل القضايا ما همه المديح وما ضره الشنئان. ثم خلفه نطاسي الأسنان البروفيسور إبراهيم غندور، الذي سكّن بتحركاته الكثير من جذور الألم في علاقات حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالقوى السياسية، مع تحركات خارجية مهمة ساعدته لاحقاً في أن يمسك بكل مقاليد وزارة الخارجية في البلاد. المساعدون الخمسة اليوم يساعد الرئيس البشير في مؤسسة الرئاسة (5) من القيادات السياسية البارزة. ويتقدم صف المساعدين، أولهم، وأصغرهم سناً، ونعني به السيد الحسن الميرغني عن الاتحادي الديمقراطي “الأصل”، ثم المهندس إبراهيم محمود حامد عن حزب المؤتمر الوطني، فالشيخ إبراهيم السنوسي عن حزب المؤتمر الشعبي، وموسى محمد أحمد عن جبهة الشرق، ثم أخيراً اللواء ركن عبد الرحمن الصادق المهدي، الواصل إلى المنصب بشخصه، متحللاً عن كل قيد يربطه بوالده وحزب الأمة القومي. فعالية (محمود) من يستحق لقب الدينمو في صفوف المساعدين، لما يقوم به من أعمال، فهو بلا شك إبراهيم محمود، عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم. ولكن قبل الغوص في البحر الأحمر الذي شهد صرخة ميلاد حامد، تلزمنا ملاحظة أن المساعدين القادمين من صف الوطني، لهم من الفاعلية الشئ الكثير، حيث يقود مساعد البشير، ونائبه في الوطني، منذ انتخابات العام 2015، مسألة التفاوض مع الحركات المسلحة خارج البلاد، فما أن تحل جولة من الجولات إلا ويحمل حامداً عصا الترحال، علّه يأتينا بقبس أو بجميع كتاب السلام المنير. ويشهد الجميع بما فيهم الأعداء –لو جاز لنا التعبير- على قدرات المهندس في رسم خرط الطريق التفاوضية، وإجادة لعبتي الكر والفر، وله ينسب الفضل في وضع الحركة الشعبية – شمال، في موقف حرج، بقبوله مباشرة ل “خارطة الطريق” التي وضعها الوسيط الأفريقي رفيع المستوى ثابو أمبيكي، بالرغم من تحفظات الحركات، التي اضطرت لاحقاً للقبول بالمقترح الأفريقي جراء حالة الحنق الأفريقية والدولية من حالة التعنت في الصف المعارض المسلح بالسودان. إنه (الحسن) أول المساعدين في قائمة الرئيس، هو سليل الدوح النبوي الشريف، السيد الحسن ابن مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، راعي الختمية، ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي “الأصل”. ووصل الحسن إلى منصب الأول، بعدما قاد بنفسه ملف الشراكة مع حزب المؤتمر الوطني، في أعقاب انتخابات العام 2015م، التي حلّ فيها “الأصل” ثانياً في مرآة المشهد الانتخابي. وأعلن الحسن بعد تعيينه مباشرة خطة لإخراج البلاد من وهدتها الاقتصادية في (180) يوماً، ولكن لما تصرمت الأيام، دون أن يرى الناس طحين السادة، غاضب الميرغني بشدة، وهدد بأنه سيبارح القصر، وقد يتبعه كامل حزبه المؤيد بطائفة الختمية، ومعلوم أن المتصوف مع سيده كالميت بين يدي غاسله. ولما أحست الحكومة بضرورة احتواء الموقف، أوكلت للحسن ملف الأمن الغذائي، وتكمن أهمية الملف في كون الاستثمارات الأجنبية متوجهة تلقاء السودان، وبالتالي يأمل الناس في أن من يأمنهم ابن الأكرمين يطعمهم الجوع لا سيما وقد نال منهم التعب والخوف. (موسى) في يم الشرق يعتبر موسى محمد أحمد أقدم المساعدين عمراً داخل القصر، وإن تقلبت الحكومات، فقد ظل رئيس جبهة الشرق، وجهاً ثابتاً في معادلة الرئاسة. ويوكل لموسى بشكل رئيس ملف شرق السودان، وإنفاذ اتفاقيته، وبالتالي يظهر الرجل في كل محفل شرقي، بأكثر مما يطل على وسائل الإعلام في المحافل ذات الطابع القومي، ويمكن القول إنه شرقي الهوى والمهام. ولكن مهمة موسى الشرقية، ليست بالأمر الهين، فهو مجابه بانقسامات كبيرة شطرت حزبه لعدة أجسام، وجعلت أمر وجوده في القصر في حد ذاته أمراً مختلفاً عليه، كما أن نفوذ رجالات الوطني وقدراتهم على إحداث التغيير لهي أكبر من تلك التي لدن المساعد. وينظر كثيرون إلى مقام موسى على أنه مقام يقتضيه التمثيل لإقليم عانى التهميش، وبالتالي يحتاج دوره إلى تفعيل بائن، حتى لا تستنكه الألسن عبارات مناوي من معاناة المساعدين للتهميش. تحركات (اللواء) ببزة مرصعة بالنجوم، وصل نجل المهدي، اللواء الركن عبد الرحمن، إلى القصر الجمهوري، من مدخل القوات المسلحة السودانية. ويمسك المهدي الحاصل على ترقيتين عسكريتين إبان فترته بالقصر، بملف الفئات، وبالتالي هو أكثر المساعدين إطلالة على وسائل الإعلام، حيث ينشط في الفعاليات والافتتاحات، هذا بجانب وجوده بالطبع وراء الكواليس وصولاً ليوم الزينة الذي يحشر فيه الناس لافتتاح المشروعات. وظهر المهدي مؤخراً في احتفال بمعية وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي مشاعر الدّولب أثناء افتتاح خط تشغيلي لمصنع الأجهزة التعويضية للأفراد ذوي الإعاقة. ويرى كثيرون أن نجل المهدي يستحق ملفات كبيرة، كحاله حين أمسك بملف العلائق مع دولة جنوب السودان لفترة أشهر، مشيرين إلى أن حصر اللواء في ركن الفعاليات والافتتاحات أمر أضيق من قدراته. (المنشية) في (القصر) آخر الواصلين إلى القصر في أمر يعد مفاجأة لدى كثيرين، هو الشبخ إبراهيم السنوسي، وتكمن الفجائية في كون الشيخ آثر الانسحاب من المنافسة على منصب الأمانة العامة بحزب المؤتمر الشعبي، زهداً في المنصب، وحفاظاً على تماسك ما تركه الراحل الترابي. المهم أن رجل (المنشية) البارز دخل (القصر)، وعادت إليه مهمة متابعة ملف (منظمة الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا ”النيباد”) التابعة للاتحاد الأفريقي. وتنص لائحة نيباد على أن أعمال المنظمة تتلخص في الأمن والسلام في القارة، وتحقيق الحكم السياسي والاقتصادي الرشيد، وتعميق مفاهيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وزيادة الإنتاجية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي، وتعظيم حجم التجارة الأفريقية البينية ونفاد الصادرات الأفريقية للأسواق العالمية، وتحسين البيئة، وتطوير التعليم والبحث العلمي، والاستفادة من تكنولوجيا المعلومات، والصحة ومكافحة الأمراض المتوطنة، خاصة الإيدز والملاريا والتنمية البشرية وبناء القدرات الأفريقية مع العمل في هذا السياق على توفير الموارد اللازمة لتطوير المشروعات والبرامج التنفيذية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف. وبناءً على كل هذه المهام، نتوقع إطلالات كثيرة للشيخ السنوسي، ولكن ما نأمله وجود أعمال بقدر هذا الإطلال. الخرطوم : مقداد خالد