السودانيون وإدمان الايدولوجيا المشاهد للقنوات الفضائية السودانية وما تبثه من برامج لن يُصدق أنها تعمل في ظل نظام أقدم مناصروه على “فرتيق” مهرجان طلابي للرقصات التراثية أقيم في جامعة الخرطوم في عام 1968 أو أصبح يُعرف باسم حادثة “العجكو” تلك الرقصة الفلكلورية الكردفانية. هذه القنوات تستحق اليوم أن تُمنح أكبر جائزة عالمية في البرامج الغنائية حيث ما أن تنتهي من بث برنامج غنائي إلا وتلاه برنامج غنائي آخر يعقبه برنامج غنائي ثالث. وبنفس القدر يخرج علينا من وسط ركام وغبار الحروب التي تشهدها العديد من الدول العربية من يكيل المديح للأيدلوجيات التي حكمت هذه الدول والمجتمعات ولم تنتج إلا هذا الخراب والدمار الذي نشهده. هذه الأيدلوجيات التي تعفنت جثثها بل وتحللت وتفككت إلى مكوناتها الأساسية العرقية والدينية والطائفية وما ظل يربطها بالحياة هو فقط شهوة جامحة لا يحدها حدود أو وازع أخلاقي او إنساني للسلطة. وآخر ينادي بتطبيق مبادئ أيديولوجية ثبت فشلها على مستوى العالم فطلقها أهلها أولاً وتلاهم كل من مشى على خطاهم حتى أن أحد كبار أساطينها في السودان تحدث في لقاء صحفي معه بضرورة مراجعة أعمدتها الأساسية وهي علاقة الدين بالدولة والدعوة لدكتاتورية الطبقة العاملة والتحكم التام للدولة في الاقتصاد كأني به احالها عظماً دون لحم. ليس هذا دعوة لعدم الفرح والكآبة أو التخلي عن المبادئ والآراء ولكن في ظل ضغوط اقتصادية ضاغطة وشعب يعاني مسغبة تكاد تصل إلى حد المجاعة ودولار يحلق كل يوم في فضاء جديد يكون التمسك بأيدلوجيات عقيمة ، يخجل مناصروها من الإقرار بأنه حان الوقت للتخلي عنها أو إعادة النظر فيها ، ضرب من السفسطة. أيها السادة مشكلتنا ليست اقتصادية أو سياسية مشكلتنا فكرية بالدرجة الأولى وفي المقام الأول وعندما تطغى السياسة على الفكر يظل الجميع يدور في حلقة مفرغة من الاتهامات وصداها. وعندما يحتل الفكر الصدارة حتماً سيؤدي ذلك لخلق أدنى حد من الأرضيات المشتركة التي تمكننا من التعايش مثل خلق الله في بلاد الله.