زيارتان لا علاقة للأخرى برصيفتها تولدت الأولى من دعوة رسمية من مدير جهاز الأمن والمخابرات لنظيره المصري لزيارة الخرطوم, وثانية هي لوزير الخارجية القطري للعاصمة لمقابلة البشير, وبين هذه وتلك وما يدور بين قطر ومصر من خلافات وتقاطعات ومقاطعات وفق الأزمة الخليجية التي حشرت القاهرة أنفها فيها وفاضلت الانضمام لما يسمى بدول الحصار وفق نمطية كلاسيكية ظلت القاهرة تدير بها علاقاتها الخارجية رغم تبدل الأحوال والقواعد التي تحكم العلاقات الدولية، بحيث بات الجميع لا يعتمد الفاعليين الدوليين على الدول ، إنما على العلاقات الهرمية المتسلسلة بحسب العلاقة السياسية والاقتصادية. في الخرطوم أمس حل مدير المخابرات المصرية ضيفاً على الخرطوم في زيارة للقاء مدير المخابرات هنا صلاح قوش, والتقى مدير المخابرات المصري نهار أمس وزير الخارجية, قالت وزارة الخارجية إن وزير الخارجية القطري سيصل مساء أمس في زيارة رسمية للخرطوم, بينما وبحسب الخارجية أيضاً فإن وزير الخارجية القطري سيصل مساء أمس مما يستدعي صدفة تصنع الكثير من الفضول حول توقيتات الزيارتين وأهدافهما. في فبراير الماضي بعث الرئيس عمر البشير، برسالة خطية إلى أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، تتصل بالعلاقات بين البلدين، سلمها له المندوب الدائم للسودان بمكتب الأممالمتحدة في جنيف د. مصطفى عثمان إسماعيل. وفي مارس الجاري يزور نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في زيارة رسمية تستغرق يومين يسلم خلالها رسالة للرئيس عمر البشير , من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية السفير قريب الله الخضر إن المسؤول القطري سيجري اليوم مباحثات مع وزير الخارجية إبراهيم غندور تتناول القضايا الثنائية وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. ومعلوم على الصعيد المتعلق بالأزمة الخليجية موقف الخرطوم منها, وهو الموقف الذي وجد في بداياته مقاومة من الجانبين لكن لاحقاً تقبله الطرفان وفق المعطيات والمبررات التي قدمتها الخرطوم حول موقفها, الموقف الذي أعلنه الرئيس البشير ثم تولت الخارجية توضيحه وهو دعم المبادرة الكويتية, وشكل الموقف نقطة مهمة في موقف إحدى الدول المؤثرة بالمنطقة وانعكس ذلك على خفض وتيرة الخلافات في وضع مختل كان يستقطب كل طرف منهما الأطراف المؤثرة المختلفة الى معسكره. وتعتبر الزيارة التي ستطغى داخل الإعلام المصري على زيارة مدير مخابراتها هي زيارة بالتأكيد ستفتح أبواباً جديدة من الانتقادات للخرطوم كما يمضي الأمر دائماً, وهاجم الإعلام المصري بصفة غير مسبوقة زيارة الرئيس التركي طيب رجب أوردغان للخرطوم وشكلت تلك الزيارة فاجعة مريرة للإعلام المصري وفق اعتقاده وطفق يحلل في الزيارة ويعتبرها عودة للسودان الى ما يسمى بالمربع التركي – القطري – الإيراني، وهو ما ظل وزير الخارجية إبراهيم غندور ينفيه طيلة أيام الزيارة الثلاثة. وبعد تلك الجزئية انتقل الإعلام المصري الى إقامة قاعدة عسكرية في جزيرة «سواكن» لتنتقل الهجمات الإعلامية على الخرطوم بصورة كثيفة, وهو أيضاً ما وضع المسؤولين السودانيين والأتراك أمام منصات الإعلام المحلي في الخرطوم لنفي تلك الأحاديث حتى ذكر نائب رئيس الوزراء التركي بأن «سواكن» لا تحتمل إقامة قاعدة عسكرية بحسب جغرافيتها ومساحتها. «صفقة القرن» .. تلك العلامة المنتقلة بسرعة الضوء التي يتحدث عنها المحللون بالشرق الأوسط والعالم، وتنظر إليها تركيا وروسيا, وهي صفقة تتبناها الرياض وأبوظبي بالتنسيق مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لتشكيل قاعدة جديدة للأوضاع والسياسات بالشرق الأوسط, ومع تسارع ورغبة الرياض وأبوظبي في إتمام الصفقة وتغيير الوجه السياسي والديمغرافية الخاصة بالشرق الأوسط وفق أنماط جديدة تتيح السيطرة المطلقة لأولياء العهود الشباب السيطرة المطلقة عليها. وفي خضم تلك الأحلام والمتغيرات والأفكار، يبحث كل طرف على حلفاء منتظرين أو قادمين وفق ما يدور من سياسات بدا الحكام في تلك المنطقة في دلقها على الواقع الشرق أوسطي, وتبدو الصورة غير بعيدة عن ملتقى النيلين، حيث تتشاذب الأطراف تلك حول إلحاق الخرطوم ضمن معسكرها وتدور بين الفينة والأخرى ملامح غير معلنة للتقارب هنا وهناك وتستدعي المصالح الاقتصادية رسماً آخر لمحاولة الإلحاق المستمرة للفوز بتأييد الخرطوم لأحد المعسكرين. الزيارة المنفصلة الأخرى التي يقوم بها مدير المخابرات المصري اللواء عباس مصطفي كامل للخرطوم بدعوة من مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني صلاح قوش، تحمل أبعاداً غير ذات علاقة بتلك الزيارة القطرية لوزيرها للخرطوم, وعلى غرار «سمحة الصدف» إلا أن الزيارتين تحملان معانٍ وعلامات مثيرة للغاية من حيث التوقيت المتزامن, وكذلك فيما يحكم علاقات قطر ومصر. وزارة الخارجية وعبر المتحدث الرسمي السفير قريب الله خضر قالت في تعميم صحافي أمس، إن وزير الخارجية إبراهيم غندور التقى مدير المخابرات العامة بجمهورية مصر بالوكالة اللواء عباس مصطفى كامل، الذي يزور البلاد هذه الأيام بدعوة من رصيفه مدير عام جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول أمن صلاح عبدالله محمد صالح. وطبقاً للتعميم أكد غندور خلال اللقاء أهمية التنسيق المشترك لتسوية المشكلات على ضوء ما أقرته اللجنة الرباعية المشكلة بناءً على توجيهات الرئيس عمر البشير والرئيس عبد الفتاح السيسي. ونقل التعميم عن مدير المخابرات المصرية قوله إن هنالك إرادة قوية على السير في طريق تهيئة كل الظروف للعودة بعلاقات البلدين إلى مسارها الصحيح. في مارس من العام 2009 تقدم وزير الخارجية المصري آنذاك أحمد أبو الغيط بمقترح للخرطوم لعقد مؤتمر دول حول دارفور بمشاركة الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا ، وهو ما رفضته بشدة الحكومة . وقال وزير الخارجية علي كرتي في ذلك الوقت إن الخرطوم لن توافق على عقد هذا المؤتمر بمشاركة أمريكا وبريطانيا وحدد كرتي منبر الدوحة مكاناً دائماً لعقد كل ما يشمل هذا الملف. وكثيراً ما طلبت القاهرة في مباحثات أو لقاءات مع المسؤولين عقد مؤتمر حول دارفور لنقله من محيط الدوحةالقطرية وهو ما ظلت الحكومة ترفضه باستمرار، بل إن وزير الخارجية السابق علي كرتي تحدث غير ذي مرة بأن «ما قمنا به من مقترح الجامعة العربية بشأن المؤتمر الدولي هو ما جرى في الدوحة . ولكن قيام منبر جديد تشارك فيه هذه الدول لا نوافق عليه». وفي فبراير الماضي وقبيل عقد الجانبان السوداني والمصري وفق موجهات الرئيسين في البلدين عقب لقائهما على هامش القمة الأفريقية في أديس أبابا, عقدا اجتماعاً لمديري المخابرات ووزيري الخارجية في القاهرة, وعقد الاجتماع وانتهى دون التوصل لشيء ملموس، حيث ظلت العلاقات ترواح مكانها مع تصعيد مستمر تقوم به الحكومة المصرية في مثلث حلايب المحتل. وتأتي زيارة مدير المخابرات المصري حسبما يرى متابعون ومهتمون بالعلاقات السودانية –المصرية في محاولة لتقريب الشقة خاصة وأن الزيارة بدعوة من قوش الذي يهتم كثيراً بهذا الملف. ويعتقد الخبراء أن توقيت الزيارة لا علاقة له ببعضهما, بينما يجزم دبلوماسي ل»الإنتباهة» أن الزيارتين تختلفان ولا تحملان أية علاقة بين بعضهما البعض، حيث أن زيارة وزير الخارجية القطري لتسليم رسالة من أمير قطر للرئيس البشير, بينما الثانية هي دعوة رسمية من مدير جهاز الأمن والمخابرات لنظيره المصري لمناقشة ملفات لا علاقة لها من «بعيد أو قريب» بالأزمة الخليجية، بل هي لمناقشة شواغل أمنية ثنائية وأخرى متعلقة بالاجتماع الرباعي السابق وما توصل إليه الجانبان. هيثم عثمان