:: قبل أسابيع، كان الخبر عن إعلان دولة الإمارات بداية تنفيذ ما أسمتها بخطة توزيع مواد غذائية في بعض ولايات السودان عبر هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وتأكيدها بأن وفداً من الهيئة توجه إلى الخرطوم للإشراف على توفير المواد من الأسواق المحلية وإيصالها إلى المستفيدين في مناطق وجودهم بالخرطوم وخارجها .. هكذا كان خبر الإستجداء .. والجدير بالإنتباه ثم الحزن، ليست الاغاثة وحدها فحسب، بل توفيرها من أسواقنا ثم توزيعها بأنفسهم، لتطمئن قلوبهم بان اغاثتهم وصلت لمن يستحقها ..!! :: وبعد إعلان الإمارات عن خطة توزفير وتوزيع إغاثتها بأسابيع قليلة ، وكأن البلاد تعرضت لغارات جوية لحد الدمار الشامل لكل مناحي الحياة أو لزلازل وبراكين لحد عجز شعبهاعن الاستقرار والانتاج، كان الخبر الآخر عن وصول باخرة سعودية إلى ميناء بورتسودان وهي تحمل (458 طن ) من مواد غذائية و دوائية وإيوائية، ومستهدف بها – كالعادة – بعض أهل السودان.. ولأن الحياء يمنع السادة في بلادنا عن الإحتفاء بمثل هذه الاغاثات وشكر أصحابها، تؤدئ صحفهم الواجب كما يجب ..!! :: ثم مع العيد، كان الخبر عن إعلان إدارة الكوارث والطوارئ التابعة لمكتب رئيس الوزراء التركي عن وصول الباخرة (قريبك سيس) إلى ميناء بورتسودان محملة بعشرة آلاف طن قمح، كمنحة مقدمة من الحكومة التركية لمن أسموه بالشعب السوداني.. ويا لهذا الشعب المغلوب على أمره، والمفترى عليه، و المنهوب ثروته و(اسمه أيضاً).. المهم، استلمت وزارة المالية بالبحر الاحمر – بحضور السفير التركي – هذه ( المنحة )، وتم تفريغها بصومعة البنك الزراعي ، وأوضح ممثل الحكومة أن المنحة من الدعم السلعي الذي يشمل القمح والجازولين ..!! :: ومن العجائب، إجتمع السادة بجوار سفينة المنحة (بلا حياء )، وحشدوا الأفندية والهتيفة، وخاطبوا بعضهم، ثم هللوا وكبًروا وأسموا الحدث بتدشين تفريغ الباخرة، وما هو إلا تدشين لفشلهم وعجزهم و فسادهم و كسل خيالهم وضعف إرادتهم .. وهناك قال أحدهم مخاطباً الجمع و مُبشراً بلا حياء : ( هناك عدد من البواخر التركية ستأتي تباعاً في مقبل الأيام)..و لم يفت عليه الإعلان عن بشرى وصول باخرة تركية أخرى في الأيام المقبلة تحمل 15 ألف طن من الجازولين .. وجدت هذه الاغاثة التركية حظاً من الاحتفاء الرسمي، ربما لتشجيع الأتراك على المزيد من ( المنح )..!! :: هذا حال بلاد يشقها النيل من أقصاها إلى أقصاها، وتغرقها الأمطار في الخريف، وأرضها الخصبة على مد البصر، ومعادنها النفيسة محشوة في جوف جبالها وباطن أرضها، وثروتها الحيوانية تُعد بالملايين، وغابتها تزاحم أشجارها بعضها، ومشاريعها تتوسد شواطئ أنهارها، وإنسانها القادر على العطاء إما مغترب بالخارج أم متغرًب في بلاده، ومع ذلك سلاطينها يحتفلون فيها بسفن الإغاثة ويغضبون حين تتأخر المنح والقروض، ليبقى السؤال : ما الذي ينقصنا بحيث لا تكون يد السودان هي السًفلى، أي كما هي الآن أكثر من أي عهد مضى ..؟ الطاهر ساتي