تروج كثيرا فى كتابات وتعليقات المؤيدين للسد الاثيوبى فى السودان ، المسارعة بتوجية الاتهام لأى معارض للسد الاثيوبى بأنه " عميل لمصر " . * وذلك رغم أن مناهضى السد من السياسيين والاساتذه والخبراء هم أشخاص بارزون فى مجالاتهم، ولا يعارضون بكلام مرسل ، وانما يتحدثون بحجج وبراهين علمية ومنطقية ، انطلاقا مما يرونه دفاعا عن مصالح وطنهم وبلادهم .. وهم واضحين تماما فى مواقفهم ، وبعضهم له اعتراضات أو تحفظات ايضا على المواقف المصرية أو بعضها . * وهذا شأن داخلى سودانى بالطبع ، ولكن ما يعنينا هنا ، أن مثل هذه المهاترات ، التى لا ينزلق إليها فقط نسبة غير قليلة من رواد السوشيال ميديا ، بل تشمل أيضا عددا من كتاب الصحف ومقالات الرأى ، أصبحت مثيرة للتساؤل على أكثر من صعيد . * هل وصل الأمر بالبعض إلى اعتبار أن الوقوف ضد مصر أو محاولة إلحاق الأذى بها ، هو معيار للوطنية ، فى مقابل أن من يخالف هذا التوجه يعد عميلا ومن ثم خائنا !! * وفى المقابل هل تأييد اثيوبيا على طول الخط تشفيا فى مصر ، يعد معيارا للوطنية ؟ .. لاسيما وأن هناك تعبيرات فجه جدا فى هذا السياق من كتاب ومن بعض من يعملون فى السلك الجامعى . * وإذا كان ذلك كذلك ، فالسؤال المنطقى : أين هى مصالح السودان فى ذلك الخضم ؟ حيث أن هذا الأمر يخلق مناخا من الإرهاب الفكرى ، الذى لا يحقق مصلحة ، بل يؤدى إلى تضييع مصالح البلاد وسط تبادل الاتهامات ، فمن له رأى مخالف يمكنه أيضا القول عن مؤيدى السد انهم عملاء لإثيوبيا .. الخ . ويتحول الأمر وكأنه ملاحاة بين مشجعى كرة قدم لفريقين أجنبيين !! * وإذا تاملنا فى اصل هذه التهمة بالعمالة ، نجد أنها لا تعبر الا عن شعور بالانهزام والنقص والدونية لدى من يتحدثون بها .. لأنها تعنى أن السودانى لا يمكنه أن يكون له رأى مستقل ، إلا أن يوحى إليه من طرف أخر خارج الحدود * واللافت أن الحكومة السودانية نفسها فى بيانها بشأن رفض الاتفاق الجزئى مع إثيوبيا ، والحيثيات التى اوردتها ، تمثل اعترافا بشكل أو بآخر بصحة كثير من مواقف مناهضى السد . * من الطبيعى أن بكون للسودان مواقف قد تتفق أو تختلف هنا او هناك ، مع كل من اثيوبيا أو مصر ، بحكم الموقع والمصالح والعديد من المحددات التى تؤثر فى تكوين الموقف من اى قضية مطروحة .. ولذا فمن الغريب والمدهش التفكير بطريقة : مع أو ضد ، إذ أن المنطقى والطبيعى هو دراسة كل القضايا المطروحة وما هى الفرص أو التهديدات ، وتحديد ما هو مناسب . * إن كراهية الكارهين لمصر لن تؤثر فيها ، سوى أن تدفع ثمن مواقف لصالح غيرك ..