تحدث معي الأستاذ الرشيد سعيد – وكيل أول وزارة الثقافة والإعلام- عبر الهاتف، وذكر لي بأن الوزارة رشحتني لأكون مفوضاً لقناة الشروق وأمهلني يوماً لكي أفكر في الأمر وأردّ عليه. وبالفعل فكّرت في الأمر، وتردّدت كثيراً لأنني أعلم جيداً أن قناة الشروق كانت حاضنة إعلامية للمؤتمر الوطني، وأعلم أيضاً أنها كانت تتلقى دعماً مالياً من القصر الجمهوري ومؤسسات حكومية أخرى، ولكنها في الظاهر شركة خاصة يملكها جمال الوالي كما يُشاع.. هذا الواقع وضعني أمام مواجهة مع تحدّيات كبرى هي التي أملت عليّ واجب التصدي لها بمسؤولية تحتمها روح ثورة ديسمبر المجيدة. قبلتُ التكليف وقابلت لجنة إزالة التمكين بمعية الأستاذ الرشيد سعيد، لاستلام خطاب تكليفي مفوّضاً مالي وإداري لقناة الشروق بتاريخ 18 فبراير 2020 م، وتأخر استلامي خطاب التكليف حتى يوم 3 مارس 2020 م. تحفظتُ على عبارة..(ولا علاقة له بالسياسة التحريرية للقناة) الواردة في خطاب التكليف، وقلتُ إن القناة الفضائية لا بُدّ أن تكون لها خطّة برمجية وهُوية وهذا يعني بلغة الصحافة سياسة تحريرية. دار حوارٌ قصير بيني وبين لجنة التمكين وأشار السيد/ صلاح مناع –عضو لجنة إزالة التمكين- أن نؤجل هذا الحوار لوقت لاحق. قابلت الأستاذ فيصل محمد صالح وزير الثقافة والإعلام وبحضور الأستاذ الرشيد قبل أن استلم مهام تكليفي كمفوض . وقال لى الوزير: (أنها مهمة صعبة.لله يعينك..) توكلت على لله وذهبت إلى مقر قناة الشروق في الطائف شارع عبد لله الطيب. قابلتُ المدير السابق ووجدته قد سلمَّ العربة (لاندكروزر) وحضر نائب المدير وسلمَّ العربة أيضا.ً وظل المدير حاضرا معي شهراً كاملا .ً وكان يقترح عليّ أن أدعو جميع العاملين لنعيد البثّ ، وأنه يمكن أن يقنع جمال الوالي بدفع استحقاق القمر. لكنني كنت أرفض بلطف وظللتُ أقول له إنها مرحلة ما بعد الثورة ولا بُدّ من وضع هُوّ ية جديدة للقناة تعبر عن ثورة ديسمبر المجيدة. وعندما تمّ تغيير إمضاء البنوك ولم يعد للمدير توقيع أصبح الأمر واضحاً فغادر ومعه ثمانية من مديري الإدارات.. أستدعيتُ بعض العاملين وأوضحت لهم إنني ساعيد البث قبل شهر رمضان رغم كل الصعوبات التى تواجهني – ديون متراكمة ولا مال للتسيير. وجدت بخزينة الشروق مبلغاً وقدره 290 جنيه فقط لاغير. (مائتان وتسعون جنيهاً سودانيا)ً وقائمة من الديون تبدأ من البقالة المجاورة وفواتيرالكهرباء والمياه والإنترنت وبطاريات المولدات المُعطلة، حتى وصلت ذروتها في ديون إيجارالقمر (عربسات) والتي تجاوزت أربعمائة ألف دولار، وإيجار عمارتين يهدٍّد مُلاّكها بإخلائها فورا.ً ومنذ الأسبوع الأول تزاحم (الدَّيانة)، الكُل يطلب سداد دينه، هذا بالإضافة إلى مستحقات رواتب العاملين لثلاثة أشهر ( فترة توقف القناة بأمر من لجنة إزالة التمكين). تمكّنت رغم كُلّ هذه الصعوبات أن أعيد الحياة لقناة الشروق فقد وجدت رصيداً في حساب أحد البنوك ثلاثمائة ألف جنيه فقط. و أقُفل الحساب في ثلاثة بنوك أخرى بسبب الشيكات المرتدة.. انتقلت إلى تردد جديد في القمر (نايل سات) بعد أن رفض ممثل عربسات إعادة الخدمة إلا إذا دفعنا مبلغ خمسين ألف دولار فورا.ً تجاوزت كُلّ هذه المصاعب بالاستدانة أحياناً وبعائد الإعلانات أحيانا أخرى، وبدأنا البث التجريبي يوم 20 إبريل 2020 م. تمّ دفع راتب شهر واحد لكل العاملين بالقناة بدعم من اتحاد أصحاب العمل، وأوضحت لهم بأن مساحات الشروق الإعلانية متاحة لهم في أي وقت، فلهم كل الشكر والتقدير. كذلك تكرّمت بنوك: فيصل الإسلامي، أم درمان الوطني، الخرطوم، البركة السوداني، النيل، المال المتحد، وبنك الخليج برعايات ماسية وذهبية مقابل مساحة إعلانية حسب لائحة الشروق التسويقية. وفي شهر رمضان المعظم بدأ البث المباشر عبر قناة الشروق. واستمر حتى حدث ما حدث.. توضيحات…. أود أن أوضح الآتي.. لم تدفع لجنة إزالة التمكين جنيهاً واحداً لقناة الشروق. ولم تدفع دولاراً واحداً لإيجار القمر (نايل سات) حتى الآن.. ظلتّ صلتي مستمرّة مع اللجنة عبر المكاتبات حتى إعلانها عبر مؤتمر صحفي بأن قناة الشروق قد آلت أصولها لوزارة المالية وتحت إشراف وزارة الثقافة والإعلام. كتبتُ خطاباً لوزير الثقافة والإعلام أطلب فيه ميزانية مُفصّلة بكُلِّ بنودها حتى نهاية العام 2020 م، استجابت وزارة الثقافة والإعلام وخاطبت المالية مؤيدة الميزانية كما هي.. وبالفعل تمّ التصديق على الميزانية من وزارة المالية بما في ذلك إيجار القمر، ولكن لم تصرف الشروق حتى الآن سوى الشهر الأول ونصف الشهر الثاني ولم نصرف دولاراً واحداً حتى الآن وهددتنا بإنزال شعار (شركة الشروق) من القمر.. حدث ما حدث… أرسلت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة خطاب ا بتاربخ 25 أغسطس هذا نصه: في البدء نزجي وافر امتنان القبول تكليف اللجنة في ظروف عصيبة واستثنائية، وبالإشارة للموضوع أعلاه (الموضوع: التفويض المالي والإداري) وإنفاذ ا لمقررات لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بناءً على قانون تفكيك الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين 2020 م، ورجوعا للقرار( 20 ) الصادر بتاريخ 2/18/ لسنة 2019 تعديل لسنة 2020 م ننقل لكم شكر وتقدير وقراراللجنة بإنهاء التفويض الممنوح لكم ل(لإفساح المجال لانتقال الإدارة لمَن تسميه وزارة الثقافة والإعلام. ) وعليه نرجو شاكرين إكمال تسليم تقاريركم المالية والإدارية عن فترة التفويض… و لكم فائق التقدير والاحترام محمد الفكي سليمان عضو مجلس السيادة الانتقالي رئيس اللجنة المناوب… وبالفعل شرعت في إعداد التقارير المالية والإدارية عن فترة التفويض انتظاراً لمَن تسمّيه وزارةالثقافة والإعلام. وفي يوم العاشر من سبتمبر دخل مكتبي خمسة أشخاص متجاوزين موظفي الاستقبال وداهموا المكتب وكأنني فاسد من النظام البائد عليه مغادرة موقعه فورا،ً وتناسوا إنني لا أقبل أن يزايد عليّ كائن مَن كان وأن موقفي مبدئي ومعلوم للجميع.. أتشرف بأن أكون من الذين قبضوا على جمر الفصل التعسفي ثلاثين عاماً حسوما.ً.. رفضت في المرّ ة الأولى والثانية أن أسلم القناة إلا بخطاب من وزير الثقافة والإعلام يسمِّي فيه مديراً جديدا،ً لقناعتي بأن ليس للجنة التمكين الحقّ في ذلك بعد أن آلت أصول القناة لوزارة المالية وتحت إشراف وزارة الثقافة والإعلام . وفي المرّ ة الثالثة دخل مكتبي شابان وطلبا مني التسليم الفوري، فرفصت. هنا قال لي أحدهما أن أذهب معهم لنيابة التشريعي وكان يحمل مسدس ا وهو في زيٍّ مدني.. علمت أن هذا اعتقال صريح فأخبرت السكرتيرة بذلك وطلبت منها أن تتصل بالأستاذ كمال الجزولي المحامي برقم الهاتف الذى سجّلته عندها. وذهبنا إلى نيابة التمكين حيث بدأ التحقيق معي في النيابة، ثم تمّ تحويلي إلى النقيب أحمد حسن واستمر التحقيق تحت المادة 14 (مخالفة قرار لجنة إزالة التمكين) وكان يجلس بالقرب مني شاب تم القبض عليه متلبساً في تجارة العملة بمبلغ ألف وأربعمائة دولار كما قال .. انتظرنا عربة النيابة لتقلنا إلى حراسة المقرن وفي هذا الأثناء طلب مني النقيب أن أكتب إقراراً بالتسليم غداً ويمكنني بعدها أن أذهب إلى البيت، فرفضت وتمسكت بموقف الرافض للتسليم إلا بموجب قرار صادر من وزارة الثقافة والإعلام، وتسمية من تختاره مديراً للقناة وتشكيل لجنة لمزوالة إجراءات التسليم والتسلم.. وبعد ثلاث ساعات من الانتظار طلب مني أن أذهب إلى منزلي على أن أعود غد ا في الساعة الثامنة صباحا.ً. خرجت ووجدتهم قد صادروا عربة الشروق دون أن يخطروني فرجعت إلى منزلنا الحبيب الكائن في حيّ إبي روف بمدينة أم درمان الحبيبة أيض ا بالمواصلات العامة. حاشية.. علمت فيما بعد أن الأستاذ كمال الجزولي قد بذل مجهود ا جبار ا لإطلاق سراحي، إذ استجاب النائب العام لطلبه وأمر بإطلاق سراحي. الشكر مبذول للسيد النائب العام وللصديق العزيز كمال الجزولي. أ/ الشفيع إبراهيم الضو المفوّض العام لقناة الشروق.