استمعت بالأمس على منصة كلبهاوس إلى جانب من نقاش حول نقابة الأطباء الجاري تكوينها هذه الأيام. كان من المؤلم سماع العزوف الشامل وسط الأطباء عن المشاركة في العملية الانتخابية، و أن نسب المشاركين في تصويت بعض الفرعيات حوالي 5-10٪ من الأطباء العاملين فيها. هذه الأرقام تعني أن نسبة الأطباء التي شاركت في تصعيد و انتخاب لجنة الأبوابي أو اللجنة المركزية في صيغتها الأولى تحت طغيان الإنقاذ تفوق بمراحل نسب المشاركة الحالية، يعني نحن ماشين لي ورا، و الردة ليست بالانقلاب وحده. فسّر بعض القادة النقابيين المشاركين في النقاش ظاهرة العزوف التصويتي بأسباب عدة فيها الضائقة المعيشية، ضعف الإعلام، و قصور الوعي لدى صغار الأطباء. و هو ما رد عليه أحد (صغار) الأطباء، كبار العقول، بأن قصور الوعي المزعوم هذا لم يمنع صغار الأطباء من المشاركة الواسعة في الثورة، بل و تسيطر أروع ملاحم العمل الجماعي علاجًا في المواكب، و تنفيذًا لأكبر إضراب مهني في تاريخ البلاد، و ريادة لأنشطة الثورة كافة. أما المسغبة المعيشية فهي الأخرى ممتدة من زمن الإنقاذ و لم تحبس جمهور الأطباء من العمل الجماعي مرارًا و تكرارًا إبان تلك الحقبة العبوس. السبب الرئيسي في قول الطبيب الشاب أن قيادة الأطباء عوضًا عن أن تستغل نسبة المشاركة العالية في الهم العام عقب سقوط النظام و تشرع في تشكيل نقابة، عوضًا عن ذلك دخلت في صراع على خطوط الانتماء السياسي، كما في حال الصراع الشهير بين اللجنة المركزية و النقابة الشرعية، و امتد السلوك العدمي إلى صراع النفوذ داخل وزارة الصحة، فانشغل القادة بكل شيء إلا تمتين مصدر قوتهم الرئيس: وحدة الأطباء و مشاركتهم الواسعة في الهم العام. سأظل أقول أن الفشل الاستراتيجي لقوى الحرية و التغيير التي تصدت لقيادة الثورة له وجهين: 1) العجز عن إيجاد صيغة مبدعة للمشاركة الشعبية في السلطة، و ذلك عقب ثورة فاقت سابقاتها في حجم و تنوع المشاركة الشعبية. و الآن و لأول مرة في تاريخ السودان تكون هناك فترة انتقالية بهذا الطول بلا رقابة مؤسسية، مما وضع السلطة في مهب اتهامات الفساد و التمكين الحزبي. 2) عجز الحرية و التغيير عن لعب أي دور في تنظيم الحركة الجماهيرية عقب الثورة. صحيح إن عبء التنظيم يقع على كاهل الجماهير نفسها، إلا أن الحرية والتغيير، كقائد، لم تبادر و لم تيسر بل لعبت دورًا سالبًا في أحيان كثيرة. استرسالاً، انظر ما صنعت الأقلية الحاكمة بالنقابات. إضافة إلى المثال أعلاه الذي يترك نقابة الأطباء في عنقريب المرض، تأمل صنعها في غيرها: في ديسمبر 2018 عينت لجنة التمكين لجان تسيير لاتحادات فيها المحامين، أصحاب العمل، الصناعات الصغيرة، غرف النقل، الغرفة الزراعية، ولاحقًا الأطباء. لجان التسيير إجمالاً ضمت سياسيين من الأقلية الحاكمة. و إذ حدد قانون التمكين ثلاثة أشهر أجلاً لها تستمر تلك اللجان حتى يومنا هذا، بعد 19 شهرًا، و بلا أفق لعقد جمعية عمومية لمعظمها، و بلغ الفجع ذروةً درامية بتعيين عضو في المؤتمر السوداني رئيسًا لاتحاد أصحاب العمل، و عضو في حزب الأمة رئيسًا لاتحاد المحامين. ده كلو و منسوبي الأقلية الحاكمة بزعلو لمن يقال لهم سددتم أبواب المشاركة الشعبية و آذيتم الحركة الجماهيرية. آن أوان رفع بيت الفراش على اللبن المسكوب، و إن لا زال في الحلق غصة، على كل هذا البزار الذي حصل. صحيفة اليوم التالي