للتعرف أكثر على أنشطة البعثة، أجرت أخبار الأممالمتحدة حوارا حصريا مع رئيسها، السيد فولكر بيرتس، على هامش زيارته إلى نيويورك مؤخرا، حيث تحدث، من بين أمور أخرى، عن جهود البعثة في مساعدة الحكومة في برامج التحول الديمقراطي والعقبات التي تحول دون تحقيق ذلك وخاصة في أعقاب الانقلاب العسكري الذي جرى في 25 تشرين الأول/أكتوبر. بدأ السيد فولكر حديثه بالقول: الهدف الرئيسي لبعثة يونيتامس هو مساعدة السودان خلال الفترة الانتقالية، فيما يتعلق بالانتقال السياسي، أو تكوين حكومة مدنية ديمقراطية في السودان، وكذلك من خلال الانتقال إلى السلام. وفي الواقع، هناك أيضا انتقال ثالث وهو الانتقال نحو التعافي الاقتصادي. لذلك نحن نحاول المساعدة مع فريق الأممالمتحدة القطري بشأن هذه الأبعاد الثلاثة. وبالطبع بالنظر إلى الأحداث الأخيرة التي شهدناها في السودان، أصبحت بعض الأمور أكثر صعوبة. هناك تساؤلات حول ما إذا كان السودان لا يزال أو سيكون قادرا على العودة إلى المسار نحو التحول الديمقراطي. نحن متفائلون بأن هذا سيحدث وأنه يمكننا تقديم دعمنا للسودان. تعطلت الفترة الانتقالية في السودان بسبب الانقلاب الذي حدث في 25 تشرين الأول/أكتوبر. بعد الانقلاب، انخرطت الأممالمتحدة بشكل كبير في عملية الوساطة بين الأطراف، الأمر الذي أسفر عن عودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. ما رأيك في الوضع في السودان الآن؟ هل تعتقدون أن العملية الانتقالية ستعود إلى طبيعتها؟ حسنا، لا أعرف ماذا تعني طبيعية هنا. لأن العملية الانتقالية لم تكن أبدا عملية طبيعية. الوضع في السودان والعملية الانتقالية في السودان كانا استثنائيين من نواح كثيرة. لذا فإن التحدي يكمن في الحصول على إجماع كافٍ في البلاد، بهدف الشروع معا في إكمال بقية الفترة الانتقالية. وبالفعل، كما ذكرت، عاد رئيس الوزراء، لكننا لم نخرج بعد من الأزمة بعد. عودة رئيس الوزراء تمت بناء على اتفاق بوساطة محلية وبمشاركة الكثير من الجهات الفاعلة المحلية. قمنا بتسهيل ذلك إلى حد ما، وبالتنسيق إلى حد ما مع مبادرات الوساطة، ولكن الوساطة كانت سودانية إلى حد كبير. لم تنته الأزمة لأن جزءا كبيرا من القوى السياسية والجمهور يرفضون الاتفاق بين رئيس الوزراء حمدوك والجنرال البرهان لأنهم يرون فيه شرعنة للانقلاب. لذلك أعتقد أن التحدي هو أن أوضح للجميع، على وجه الخصوص للجمهور المحلي، أن السودان يمكن أن يعود إلى المسار الديمقراطي للفترة الانتقالية. وهذا الأمر يحتاج إلى الكثير من إجراءات بناء الثقة، بدءا من التحقيق الشامل في انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت بعد الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول/أكتوبر. بعد التطورات التي حدثت في 25 تشرين الأول/أكتوبر ،أصبح بعض الناس يشككون أكثر في الشراكة بين المدنيين والجيش، حتى بعد عودة السيد حمدوك إلى منصبه. ما رأيكم في هذه الشراكة؟ هل تعتقدون أنها صادقة؟ حسنا، كان من الممكن أن يكون الأمر كذلك. ولكن يبدو أننا- المجتمع الدولي وأيضا الجهات الفاعلة المحلية- جعلناها مثالية بعض الشيء، وذلك من خلال تصوير السودان باعتباره نموذجا للشراكة العسكرية المدنية. أعتقد أن معظم الناس اليوم في السودان لم يعودوا يتحدثون عن شراكة بين المدنيين والعسكريين. يعلم الجميع أنه لا يمكن لطرف أن يبعد المكون الآخر. يقولون إن الجيش ليس بإمكانه أن يحكم بدون المدنيين. ولا يمكن للمدنيين أن يتمنوا ببساطة ابتعاد الجيش، لذا يتعين عليهم العمل معا. لكني أعتقد أن التحدي يكمن في ظهور علاقة عمل بين الطرفين بدلا من التفكير فيها بهذا المصطلح المثالي ووصفها بأنها شراكة. لقد التقيتم برئيس الوزراء حمدوك والفريق البرهان. ما الذي قالاه لكم؟ أنا ألتقي بهما بشكل منتظم. بالطبع هناك بعض الناس وكذلك في وسائل التواصل الاجتماعي يقولون إنه ربما لا ينبغي أن أقابل هذا أو ذاك. أو لا يجب أن أقابل الجنرالات في المقام الأول، أو لا ينبغي أن أقابل قادة المليشيات أو الأشخاص الملطخة أيديهم بالدماء لأن هذا من شأنه إضفاء الشرعية على بعض هؤلاء الفاعلين. لكن هذا سوء فهم لدور الأممالمتحدة. ستحاول الأممالمتحدة دائما البحث عن جميع أصحاب المصلحة والاجتماع بهم بغية السعي إلى الحوار ومحاولة تجنب إراقة الدماء والبحث عن حلول تفاوضية. والكثير من الحديث الذي دار بيني وبين أشخاص مثل رئيس الوزراء حمدوك أو الجنرال برهان، وخاصة بعد انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر، كان حول كيفية تجنب إراقة الدماء أولا، وكيفية إيجاد طريقة للخروج من الأزمة. وأحيانا تتحدث عن خطوات صغيرة من أجل إيجاد طريقة للخروج من الأزمة، وليس عن الحل الذي يتمناه الجميع في نهاية الفترة التي تلي الانتخابات، حيث نأمل أن تكون هناك حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا بالكامل. نعود إلى الاتفاق بين السيد حمدوك والجنرال برهان. لقد رحبتم بهذا الاتفاق رغم أن الكثير من السودانيين غير راضين عنه. ما هي رسالتك لهم؟ لقد رحبت به، بحذر، باعتباره خطوة أولى ويجب أن تتبعها خطوات أخرى. إنها خطوة لتجنب إراقة الدماء. خطوة من المحتمل أن تعود بنا إلى النظام الدستوري، وربما فرصة لبدء حوار حقيقي حول القضايا الخلافية في السودان. وهذا ما أقوله للناس. كما أنني ألتقي بأشخاص يرفضون هذا الاتفاق تماما ويقولون إنهم لا يريدون أي وساطة ولا يريدون أي شراكات ولا يريدون أي مفاوضات مع الجيش. بمجرد أن أبدأ في التحدث إلى الناس ليس بالضرورة أن اتفق معهم، فأنا لا أحاول إقناع أي شخص. أحاول فقط أن أجعل الناس يفهمون أن هذا ما نفعله كأمم متحدة. نحن نتجه نحو حلول تفاوضية، ويعتبر تجنب إراقة الدماء هدفا أساسيا وأولوية بالنسبة لنا إلى حد كبير. بالانتقال إلى دارفور، أدى القتال القبلي إلى مقتل العديد من الأشخاص وفرار المئات من منازلهم بسبب انعدام الأمن.ما هو دور بعثة يونيتامس في تهدئة التوتر في دارفور؟ دعني أقول لك، إنها ليست صراعات قبلية بحتة. في بعض الأحيان، يعد مصطلح قبلية تفسيرا شيء ما، وهو في غالب الأحيان يحمل دلالات سياسية. هناك الكثير من النهب المسلح في المنطقة، والتي ليس لها علاقة تذكر، بالنزاعات القبلية. يتم تسييس بعض النزاعات بين المجتمعات المحلية ويستخدمها الفاعلون السياسيون. إن انعدام الأمن الناجم عن ضعف قدرة الدولة، بالطبع، هو نتيجة لقرارات سياسية ليست فقط خلال العامين الماضيين فقط، بل بالأحرى خلال الأعوام الثلاثين الماضية. لذا أعتقد أنه لا ينبغي أن نتغاضى عن الأمور السياسية. أما السؤال بخصوص ما الذي نفعله نحن؟ نحن لسنا بعثة حفظ سلام مثلما كانت اليوناميد التي كانت تمتلك ما يصل إلى 7000 من الأفراد النظاميين. أما نحن في يونيتامس فلدينا 21 ضابط شرطة فقط يمكنهم مساعدة الشرطة السودانية في تطوير قدراتهم الخاصة وقدراتهم بشأن حماية المدنيين أو في الشرطة المجتمعية. نحن لسنا هناك لاستبدال دولة سودانية. ليس لدينا تفويض بذلك. نحن هناك لدعم قدرات الدولة في بناء القدرات. لذا، فإننا هناك لبناء قدرات الشرطة السودانية ووكالات إنفاذ القانون الأخرى. الآلاف من الشباب ظلوا يتظاهرون بصورة شبه يومية. ما رسالتك إليهم؟ أنا لا أتحدث مع الناس المتظاهرين في الشوارع فقط، نحن نلتقي مع لجان المقاومة مثلا. أحيانا علينا أن نعترف أننا قد لا نتفق. أحيانا نتحدث ونبحث عن حلول وأفكار إلا أننا رغم ذلك قد نتفق على ألا نتفق. ولكن في نهاية المطاف، السودان يجب أن يصبح بلدا ديمقراطيا بصورة كاملة، يتمتع بكامل الحريات، تتوفر فيه العدالة لكل الناس. قد نختلف في الطرق التي تقودنا لتحقيق ذلك. طبعا الناس في الشارع يعتبرون أنفسهم ثوريين. الأممالمتحدة ليست منظمة ثورية. نحن نعمل مع كل أصحاب المصلحة في السودان، بما في ذلك أولئك الذين يرفضون بعضهم البعض. نبحث عن حلول مشتركة. أحيانا نبحث عن حلول وسطى. في الظروف الحالية التي يمر بها السودان، لا يريد الناس بالضرورة الحلول الوسطى. إنهم يحبون الحلول مثالية. ولكن هناك موازين قوى موجودة في السودان والتي يجب أن نأخذها في الحسبان. فلذلك نحن نحاول أن نكون شفافين جدا حول طريقة عملنا ونتحدث عن طريقة عملنا والناس الذين نلتقيهم. وإذا حدث الخلاف فليكن. نحن نختلف مع الجنرالات وكذلك مع الثوار في الشارع. كيف تنظر لمستقبل السودان، السيد فولكر، وسط كل هذا الغموض الذي يلف الوضع في البلاد؟ أنا متفائل. لأن السودان بلد شاب و60 من المائة من السودانيين هم تحت سن الخامسة والعشرين. هذا الجيل حتى ولو إنه خلق تحت نظام شمولي ديكتاتوري إلا أنه جيل واع جدا يعرف ماذا يريد. إنه يريد مستقبلا لكل السودانيين. غالبية السودانيين لا يفكرون في القبائل أو الاثنيات. إنهم ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم سودانيين. هذه تعتبر قاعدة جيدة للتقدم بالنسبة لهذا البلد. وإذا لم أكن متفائلا لكان من الخطأ أن أكون في السودان. أنا متفائل بمستقبل السودان. أرى أن المرحلة الحالية هي جزء من صراع طويل الأمد حول مستقبل السودان، لكنني أعمل أيضا مع الشعب السوداني. وأنا أراهم (السودانيين) أذكياء مدركين لمستقبلهم، ومدركين لمصيرهم، أناسا لا أستطيع، سوى التخيل بأنهم سيقودون بلادهم إلى مستقبل ديمقراطي أفضل. ونحن هنا فقط لمساعدتهم.