بعد أن أثار مزارعو الجزيرة قضية تقاوي القمح «الفاسدة»، اتهم وزير الزراعة عبد الحليم المتعافى بعض «الجهات» بإثارة القضية في هذا التوقيت بغرض إبعاده من التشكيل الوزاري المرتقب، وقال: «إن جهات تهدف إلى تصفية حسابات سياسية معه قبل التعديل الوزاري هي التي تثير البلبلة الإعلامية حول فساد تقاوي القمح»، وألمح إلى تدخل جهاز نقابي له أبعاد سياسية، وأبدى استغرابه لتدخل وزير الشباب والرياضة بحكومة الجزيرة في القضية!! وكل ما فعله تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل هو المطالبة بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في التقاوي التي لم تنبت، وهي التي تم استيرادها من تركيا. ووصف التحالف ما حدث بالجريمة، وشدد على ضرورة تقديم الجناة إلى المحاكمة العادلة وتحديد المسؤوليات، مطالباً وزير الزراعة ومدير المشروع بالاستقالة. لنفترض أن ما قدمه الوزير من تبريرات لإثارة القضية صحيح، فلماذا يتشبث الوزير بالوزارة لهذه الدرجة، ألم يكفه ما قضاه في هذه الحكومة متقلداً المناصب الدستورية من معتمد في «القرن الماضي» إلى وزير في الألفية الثالثة. وليس غريباً على المتعافي أن يدافع عن نفسه بهذا الحديث الممجوج الفطير الذي لن يقنع أحداً، فكيف لشخص في موقع المسؤولية ويحدُث مثل هذا الخطأ القاتل الذي يستوجب مساءلته هو أولاً، فيدافع عن نفسه بتبرير مثل حديثه الذي يختزل كل القضية في «مؤامرة» لإبعاده عن الوزارة.. طيب نسأل الوزير بالمنطق وبموضوعية: هل يعني ذلك أنه لا مشكلة إطلاقاً في تقاوي القمح وما يثار هو صراع سياسي من جانب «إخوانك في الله» لإقصائك من منصبك الوزاري؟ وهل القصد من ذلك هو إضعاف ثقة الرئيس فيك في زمن «فك التسجيلات»؟ وهل تآمرت معهم أيضاً أرض الجزيرة الخصبة بحجب ما في بطنها من بذور؟ وهل تآمرت ضدك أيضاً البذور التركية ورفضت الخروج من باطن الأرض تضامناً مع المتآمرين ضدك؟.. هناك مشكلة حقيقية وهي قضية إستراتيجية تتعلق بسلعة إستراتيجية، وهناك خطأ ما قاتل يستوجب التحقيق الحاسم والفوري والمحاسبة والردع متى ما ثبت أي خلل ومن أي شخص، وإزاء ذلك الذي حدث نريد حسماً وكلاماً مقنعاً ومطمئناً لا الحديث عن نظرية المؤامرة التي غالباً ما يدمنها الفاشلون، فهي خط دفاعهم لتبرير أخطائهم وفشلهم.. فلنفترض أن الذين أثاروا هذه القضية هدفهم سياسي وأرادوا إبعاد المتعافي من منصبه، فهل بإمكانهم منع القمح من الإنبات لو أن التقاوي صالحة للإنبات؟ إن حديث الوزير عن نظرية المؤامره لإبعاده من التشكيل الوزاري في ظل وجود مشكلة حقيقية وملموسة للمزارعين الذين خبروا زراعة القمح وصلاحية التقاوي أكثر من الوزير إنما يعبر عن هواجسه من «الإبعاد» في زمن فك التسجيلات، وفي نفس الوقت يؤكد تمسكه اللا محدود بالمنصب. في «يوميات زنكلوني» الساخرة: أن مسؤولاً ما عندماُ يُجابه بأخطائه التي تستوجب المحاسبة يرد بأن هذه مؤامرة إسرائيلية إمبريالية تستهدف تقويض بناء المشروع الحضاري.. ونتمنى ألا ينطبق ذلك على المتعافي.. نحن جميعاً طلاب حقيقة ونسعى لإبرازها، ومصلحة بلادنا تقودها الحقيقة، ولكي يحدث ذلك يجب ألا تُعرَّض الحقائق إلى الضغط والطلق الاصطناعي حتى لا تخرج «مشوهة» وتتهم «أمها» بالتخوين والمؤامرات. صحيفة الإنتباهة