ذكر لي أحد شباب الحركة الإسلامية المُخلِصين، وهو مِنْ مَنْ سبقت لهم حسنى المشاركة الجهادية في صدر الإنقاذ، وأمتاز بين أقرانه بصدق الحديث ، ورسوخ الإنتماء للحركة الإسلامية ، وكان يتمنى صادقاً إلتئام جناحي الحركة الإسلامية ...إنه كان وزمرة من الشباب يجلسون قُبالة مقر حزب المؤتمر الشعبي بشارع« أوماك »، ضاحية المنشية بالخرطوم ، وقبل أكثر من عشرين يوماً رأوا أحد القيادات النافذة والمقبولة لدى الكثيرين من حزب المؤتمر الوطني يقود سيارته لوحده حوالي الساعة الثانية عشرة منتصف النهار وقف عند بوابة حزب المؤتمر الشعبي وترجل من العربة وألقى التحية للحضور« باسماً».. «كيف يا شباب »؟؟وسأل الحضور بأدبٍ جمْ ، كعادته :« شيخ حسن موجود »؟؟ ..يقصد الدكتور حسن عبدالله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي فرد عليه الشباب نعم !!.. هو في الطابق العُلوي .. وكأنّ بينهما مَعاد !!.. مكث القيادي بالمؤتمر الوطني ذهاء الساعتين مع الأمين العام للمؤتمر الشعبي ، ومن ثَم نزل وعلى وجههِ ابتسامةٌ عريضة وبشِر واضح... فقال له أحد الشباب ..أراك فرحاً يا.... فرد عليه بأريحيةٍ غير مصطنعة... « في زول بِمِرُق من شيخ حسن يكون زعلان »!!! .. حدثت في الأيام الفائتة تغيرات كبيرةٍ في قيادات الدولة والحزب « المؤتمر الوطني » ... قيادات كانت تتصدر المشهد السياسي والتنفيذي منذ ربع قرن من الزمان وحتى لحظات هذا التغيير « ترجلت عن صهوة القيادة طوعاً كما صرح الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول «السابق» ، والذي كان من أبرز المغادرين إلى فضاء الحياة الرحيب ، وهذا التغيير يشكّل منعطف تاريخي مهم لدى حزب المؤتمر الوطني المُهيمِن على الساحة السياسية منذ عقودٍ خلت .. وصفه العديد من المراقبين بأنه استجابة لحراك داخلي يقوده زمرةٌ من الشباب ملت سيطرت الحرس القديم على مفاصل الدولة والحزب طوال الفترات المنصرمة ، وقال آخرون بأنه ضرورةٌ لتدريب المزيد من الكوادر لمرحلة ما بعد انتخابات 2015م ... فكانت رؤية المناوئين للمؤتمر الوطني .. إن هذاالتغيير تغيير شكلي ولا يفيد كثيراً ، فالمطلوب تغيير السياسات، وحل العديد من القضايا الحياتية التي تمس المواطن كالقضية الاقتصادية والغلاء الطاحن الذي ضرب كل شعاب الحياة، فأصبح المواطن البسيط يكابد ليل نهار من أجل ضرورياته، وهي صعبة صعبة، والقضية السياسية والتي تتمثل في الإحتقان السياسي الذي أفرز حركات التمرد ، ونشوب الصراعات في أطراف السودان المختلفة .. ربط العديد من المفكرين، والخبراء، والمحللين السياسيين أن هذا التغيير يشكل أرضية صلبه لتلاقي طرفي الحركة الإسلامية من جديد، بعد المفاصلة الشهيرة التي حدثت منذ حوالي «خمس عشرة سنة» ذهب جراءها الشيخ الدكتور حسن عبدالله الترابي للسجن حبيساً.. « كما وصف » ، وكوَّن حزباً معارضاً، وكان وما زال من أشرس أحزاب المعارضة ، وظلّ العديد من أبنائه «تنظيمياً» في القصر وحول القصر تحت ظلال المؤتمر الوطني الحاكم ، مُمسِكين بالسلطة ... ومن المعروف أن القيادي البارز الذي زار زعيم المؤتمر الشعبي وزعيم الحركة الإسلامية السودانية التأريخي مؤخراً يتمتع بقبول جيد لدى قيادات المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني والعديد من الأحزاب الأخرى على حدٍ سواء ... المنطق السياسي السليم ، والسنن التأريخية الجارية، ونهج الذين بلغوا درجاتٍ من التقدم والرقي والإزدهار تفرض على المجموعات التي تتولى قيادة العمل السياسي أن يكون لها قوانين صارمه تحدد المدة التي يقضيها المسؤول في هذه المواقع ... ففي أمريكا الوزير لا يمكث في المنصب أكثر من أربع سنوات إلا نادراً ، والرئيس لا يمكث في الموقع أكثر من 8 سنوات مهما كان ناجحاً ومقبولاً لدى غالبية الشعب ، أما إذا كان غير ذلك لا يزيد عن 4 سنوات ... هذا لا يعني التقليل من عطاء من تولي الموقع إنما يعني تجديد الدماء وتدريب المزيد من الكوادر ، والراحة لهذا القيادي ، فهذه المناصب لها تبعات كبيرة، وبها رهق كثير .. وهي تجذب عناصر جديدةٍ للحزب ... والإنسان بطبعه إذا مكث في السلطة زمناً طويلاً يصاب بداء الطغيان ... القذافي عندما خرج عليه الليبيون في فبراير 2011م قال لهم «من أنتم»؟؟ ووصفهم بالجرزان.. وغيرها من الصفات... فانتصر الشعب الثائر لأجل الكرامة والحرية والعزة وهلك الطاغية الجبار كما هلك فرعون من قبل ... وكما قال تعالى في كتابه العزيز :« كلا إن الإنسان ليطغى إن راه استغنى »... جُل القيادات التي ترجلت عن صهوة القيادة التنظيمية والتنفيذية في التغيرات التي حدثت مؤخراً كان لها دورها الفاعل في المفاصلة التي حدثت في العام 99 من القرن الماضي، والتي جعلت من الحركة الإسلامية السودانية بمسماها التاريخي «وطني حاكم وشعبي معارض »... فهل ترجُلْ هذه القيادات يُعجل بالتئام شطري الحركة الإسلامية من جديد ؟؟!!.. السودان عبر تاريخه الطويل تضرر أيما ضرر من الانشقاقات السياسية التي كانت دوماً على حساب الوطن سياسياً ، وعلى حساب المواطن أمنياً واقتصادياً ... الواقع السياسي المُعافى يتطلب وجود القليل من الأحزاب وفق ثوابت وطنية يؤمن بها ويحميها المُعارِض قبل المُمْسك بزمام السلطة ... فظاهرة التناسل السياسي لا تجلب غير الشقاق والنزاع ... فاعتبروا يا قادة السودان ...