ارتفع حاجبا الدهشة كثيراً عندما كشفت السلطة الرابعة قضية الدكتور أزهري التجاني وزير الإرشاد والأوقاف السابق.. وأثارت القضية ضجيجاً واسعاً في بداياتها، وتناولتها مجالس المدينة همساً وجهراً، بعد أن خرجت للملأ ودخلت نيابة المال العام، بتهمة التعدي على أموال الأوقاف، فالمتهم من دعاة وحماة المشروع الحضاري الإسلامي وسدنته وفي الوقت ذاته متهم بقضية فساد مالي في مؤسسة مهتمة بأمر الدعوة والدين. قضية الإرشاد والأوقاف التي كشفها تقرير المراجع العام للعام 2009م من قضايا الفساد القليلة التي وصلت إلى المحاكم لجهة أن كل القضايا المشابهة عادةً ما تحدث فيها تسويات، ولكن خرج الأمر عن المألوف هذه المرة، وأخذ يطفو إلى السطح، وبعد عنت ومشقة خلصت التحريات إلى اتهام الوزير السابق، ووجه بتهم تبديد المال العام، والثراء الحرام. "الناس سواسية أمام القانون"، عبارة ربما يرددها الجميع ويتمنى كل مواطن أن تطبق على الجميع ليستبشر الجميع بانبلاج فجر العدل في بلاد لا زالت تحكم وفقا للمشروع الحضاري الإسلامي، الذي يعتبره مراقبون في أساسه مشروعا أخلاقيا في المقام الأول، الأمر ذاته جعل آخرين يرددون مقولة (الظلم ظلمات) و(العدل أساس الحكم)، ويطالبون أن يتساوى جميع مواطني الدولة أمام القضاء، وإذا سرق شريفهم أو ضعيفهم يجب أن يقيموا عليه الحد، لجهة أن الأمر يتطابق مع قول شيخ الإسلام ابن تيمية، بصدد الدولة العادلة وإن كانت كافرة، والدولة الظالمة وإن كانت مسلمة. السياسي المعتق والمحامي الضليع عبدالباسط سبدرات وزير العدل السابق وأحد سدنة الإنقاذ خرج عن المألوف واتجه نحو المهنة، مترافعاً بقوة عن أزهري التجاني وزير الإرشاد والأوقاف السابق، وطالما أن حق الدفاع مكفول وبالقانون ربما يكون سبدرات أفلح ولو قليلا في إيجاد توصيف ومرافعة تخرج أزهري من محنته التي ألمت به أو بالأحرى ألم بها أو الاثنين معا، مع العلم أن سبدرات كمحام اشتهر بخبرته وفطنته وشطارته التي تؤهله لكسب معظم القضايا التي يترافع فيها. الأمور اتجهت في ذات المنحى الذي تمناه كثيرا المحامي عبدالباسط سبدرات وفي خطوة مفاجئة لم يتوقعها جميع المراقبون وقبل أن يدخل العام الجديد بساعات قلائل أسدلت محكمة الخرطوم شمال الستار على إحدى أكبر قضايا الفساد التي شغلت الرأي العام السوداني خلال الفترة الأخيرة وشطبت الدعوى التي كان يتولى أمرها قاضي المحكمة العامة عادل موسى وكانت في مواجهة ثلاثة متهمين في قضية الأوقاف وكان بينهم أزهري التجاني وزير الإرشاد والأوقاف السابق وذلك لانعدام بينة مبدئية وصدر الحكم استنادا على المادة (141) من قانون الإجراءات الجنائية. القضاء السوداني هو الآخر قال كلمته بمسوّغاته القانونية التي اعتمد عليها في القضية، وعقب إعلان براءته انتفض أزهري التجاني وزير الأوقاف السابق والذي بدا غاضبا وهو يصدر أول تصريح لوسائل الإعلام، ووصف في ذات التصريح القضية التي رفعت ضده بأنها لا تخلو من الكيد السياسي، وتمنى أن يتعافى حزبه من ذلك الكيد وفق الإجراءات الإصلاحية المتبعة الآن، وانتقد بشدة إخوته الذين عملوا على توقيفه في قضية الأوقاف الشهيرة التي أصدرت فيها محكمة المال العام بالخرطوم شمال مؤخرا قرارا بشطب الاتهامات ضده وزميليه الطيب مختار أمين الأوقاف السابق والدكتور خالد أمين الأوقاف بالخارج. وفي مساء ذات اليوم وبعد إعلان المحكمة براءة أزهري توافدت قيادات الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني والمعارف والأهل نحو منزل أزهري ليقولوا له (حمدا لله على السلامة والجاتك في سمعتك سامحتك).. الرجل بدا هادئا وهو يستقبل ضيوفه كاتما الحسرة والأسى في دواخله وهو يتذكر ما وصفه بالكيد السياسي الذي حيك ضده بغرض الاغتيال السياسي لشخصيته التي أصبحت مهمة بعد أن تبوأ مواقع متقدمة في الجهاز التنفيذي وحزب المؤتمر الوطني الذي كان يتقلد فيه أمين أمانة دارفور الكبرى، إلى جانب بعض المهام والملفات الأخرى التي كانت توكل إليه في سالف العصر والأوان. عقب الصدمة التي تعرض لها أزهري تدحرج الرجل رويدا رويدا للوراء وتراجع من انتمائه القومي إلى انتمائه البسيط واتجه صوب قرية (قليصة) الكردفانية الوادعة التي تزينها الخضرة وأشجار التبلدي.. هناك ازدحم المكان وخرج جل مواطني قرية (قليصة) مسقط رأس الرجل احتفاءً وفرحة بتبرئة ابنهم، واستقبلته قريته الكردفانية الوادعة التي تتبع لمحلية أبوزبد، في ولاية غرب كردفان، وهي مبتهجة بالنوبة والطار، والدعوات والزغاريد، يتقدمهم رجالات الطرق الصوفية والأعيان والعمد والمشايخ، في مشهد فريد أكد له حقيقة المقولة الشعبية الشهيرة (الأهل وحل)، حيث كانت هتافات المواطنين الذين استقبلوا أزهري تقول بحسب شهود عيان تحدثوا ل(اليوم التالي): "أزهري أنت ما براك أهلك واقفين معاك". وفي الاحتفال الذي أقيم في (قليصة) على شرف براءة أزهري وصف المحتفى به الأمر الذي حدث له بأنه ابتلاء وأنه اجتازه بفضل الله، وأوضح للجماهير التي كانت تردد الهتافات الداوية بشكل هستيري أن القضية جاءت في إطار الصراع السياسي التنظيمي، داعيا أهل السياسة إلى عدم الصراعات وتصفية الحسابات والعمل على خدمة المواطنين في الولايات والأطراف، وأعلن على الهواء مباشرة طلاق العمل التنفيذي والاستوزار، وأكد لهم أنه سيكون مواطنا صالحا يعمل جاهدا على خدمتهم وسوف يدعم وينفذ كل الأعمال التي تخدم المنطقة والمواطنين، وأضاف أنّه اليوم يطوي هذه الصفحة ويجدد العهد مع أهله ليخدمهم عبدالرحمن العاجب: صحيفة اليوم التالي