الأسبوع الماضي سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة في خطوة لم تخطر على بال كل المراقبين للعلاقات الخليجية، الخليجية رغم بعض الاحتقانات التي تلازمها لكن يبدو أن الأزمة الحالية تتجاذبها كثير من المشكلات فلقد ذكر التاريخ الحديث والمعاصر للخليج، أن المشاكل بين قطر والسعودية لها أبعاد قبلية بين آل سعود وهم ينتمون إلى قبائل «عنزه» والأسرة الحاكمة في قطر آل ثاني وهم ينتمون إلى قبائل «تميم» وبدأ الصراع من منطقة نجد مرابط تلك القبائل بل بعد أن ظهرت هذه الدولة على الخارطة كانت السعودية في بدايات القرن الماضي وقبيل الحرب الأولى كانت ترى ضم قطر إليها باعتبارها من مكونات إقليم الإحساء السعودية وفيها كانت بريطانيا هي الآمر الناهي في الخليج والمشرف على كل تلك المشيخات والأسر رفضت طلب السعودية ولم تعترف السعودية بحدود قطر الحالية إلا في ستينات القرن الماضي وظل النزاع القطري السعودي حول واحة البريمي وكذلك منطقة الحدود بين البلدين تحديداً منطقة الحقوس ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقطر رغم صغر حجمها إلا أنها وبحكم ثرواتها ودورها الفاعل في اقتصاديات المنطقة والعالم ظلت عنصراً حاضراً في الإقليم بل تجاوزت حدود الإقليم إعلامياً بقناة الجزيرة وصويحباتها أي فروع الجزيرة الأخرى التي أضحت ذات تأثير بالغ الأثر في النفوس والكراسي والعروش ولا يخفى على أحد موقف الدولة من ثورات الربيع العربي ذات النزوع الإسلامي التي وجدت دعماً ومؤازرة من قطر عكس ما تقوم به السعودية ومن خلفها الإمارات فالسعودية ترى في تلك الأعاصير التي اقتلعت بعض الأنظمة في المنطقة مثل نظام بن علي في تونس و مبارك في مصر وبروز تيار الإسلام السياسي خطراً ماحقاً على مستقبل كثير من دول المنطقة التي تخشى من انتقال عدوى الديمقراطية وزحف الجماهير. لذا نجد السعودية والإمارات سارعتا خفافاً وثقالاً لدعم انقلاب السيسي في مصر وتقديم الدعم له في وقت وقفت قطر موقف الداعم للشرعية في مصر ولم تكتف السعودية بذلك بل ذهبت إلى حظر حركة الأخوان المسلمين وحزب الله والنصرة وغيرها واعتبرتها منظمات إرهابية الأمر الذي وجد قبولاً طيباً لدى مصر ورأت فيه القيادة السورية أنه قرار انتقائي غير كاف وكذلك هاجم رئيس وزراء العراق المالكي قطر والسعودية. ويبدو أن المنطقة تسير بل سارت نحو الاستقطاب المذهبي الحاد «سني وشيعي» وحتى بين السنة نجد تعارض المواقف مثل ما هو كائن الآن بين قطر والسعودية قائدة المعسكر السني في الإقليم الذي كان يسمى محور الاعتدال الذي يضم مصر حقبة مبارك وعدداً من دول الخليج وأمام هذا نجد تعاطف الدوحة مع المعسكر الآخر الذي كان يسمى دول الممانعة ويبدو أن المنطقة مرشحة لمزيد من الشد والجذب وقد يكون السبب الرئيس في كل هذا هو الدور الذي تقوم به قناة الجزيرة بل ذهب الإعلام القطري الرسمي والمتعاطف بأن قطر ترفض الإملاءات ورفعت قناة الجزيرة من وتيرة الضغط الإعلامي على موقف مصر وأطل كثير من قادة الأخوان المسلمين عبر الجزيرة وسارت مصر في ذات اتجاه السعودية وهو أن سفير مصر لن يرجع إلى الدوحة إلا بعد إكمال كثير من التفاهمات والسؤال هل موقف مصر الدبلوماسي من قطر هو السير في ركب السعودية والإمارات والبحرين وتعزيزاً لمشروع دول الاعتدال كما تسمى أم أن موقف مصر يحكمه المثل العربي القائل (مكره أخاك لا بطل) لكن الشاهد يقول إن تأثير قناة الجزيرة على الأحداث في مصر أصبح كالشجا في حلوق عسكر الانقلاب وأشياعهم من يسار مصري وقوميين عرب ويبدو أن الأجواء العربية عامة والخليجية ملبدة بكثير من الغيوم والأنواء وتنذر بأعاصير هوج مثل رياح الخماسين. فالجامعة العربية مقبلة على عقد قمة في الكويت يبدو أن حظوظ نجاحها ضعيفة وقد تنتهى بشظى أكثر على مشهد النظام العربي الذي أصبح أشبه برجل العالم المريض وحقاً يعاني النظام العربي كثيراً من العلل والأزمات فالعراق عقدت مؤتمراً حول الإرهاب وكالت التهم للسعودية و قطر والموقف السعودي من العراق مذهبياً يتقاطع بسبب الدور الإيراني في العراقوسوريا واليمن ولبنان حزب الله رغم وجود عدد مقدر من السنة في العراق بل أن هناك امتدادات قبلية سعودية عراقية من قبائل شمر أخوال الملك عبدالله ملك السعودية فهذه القبيلة تتمدد بين السعودية والعراق. يبقى السؤال هل تسير الأمور في اتجاه التهدئة والتهدئة تحتاج إلى تنازلات والمشهد لا يحكمه طرفان فقط أي قطر والسعودية.فالثانية لها تحالف إقليمي يضم عدداً من دول الخليج ومصر والأردن وجزءاً من ساسة لبنان وكل الدول الرافضة لتطورات المنطقة عبر موجة الربيع العربي. وقطر موقفها المعلن هو دعم تيار الإسلام السياسي ودول الربيع العربي والضغط الإعلامي المتزايد على مصر ويبقى السؤال هل تسير قطر في ذات الدرب تمد يدها إلى تركيا الرافضة لفكرة الانقلاب المصري وكذلك إيران الحاضرة على المشهد الإقليمي وهل تكتفى واشنطن بموقف المتفرج أم تضغط من أجل التسوية بحكم المصالح، أي مصالح واشنطن في المنطقة وهل سيكون من ضمن وسائل الضغط على قطر قضية دعم تيار الإسلام السياسي الذي دمغ من بعض أنظمة المنطقة بالإرهاب؟! وهل سيطرح موضوع تنظيم قطر لفعاليات كأس العالم 2022م على طاولة البحث من أجل خلق مزيد من الضغط لتليين الموقف القطري وهل سينعكس هذا على دور قناة الجزيرة ومحاولة الحد من شدة بأسها على الأحداث سيما الموقف من الانقلاب في مصر، إجهاض الجيش المصري لمسيرة الديمقراطية وإقبال مصر على انتخابات رئاسية. لكن فيما يبدو أن المنطقة مقبلة على تحديات كبرى سيما وهناك تقاطعات في المشهد إقليمية وكونية فهناك صراع في سوريا تقف روسيا منه موقفاً راسخاً قد يتزحزح الموقف الروسي في سوريا بسبب الأحداث في أكرانيا ومنطقة القرم إذا تمت تسوية بين الروس والأمريكان ولكن يبدو أن سيف الضغوط ما زال مسلطاً على رقبة موسكو، وموسكو غير عائبة ظاهرياً فلا يمكن لها أن تخرج من مياه البحر الأسود الدافئة ومداخل البسفور إلى المتوسط.