رؤيا سنبلاية عبد الحفيظ مريود * وتقولين إنني أحب محجوب شريف، أكثر من القهوة ؟ * قال، فيما قال وكانت الأرض خضراء مبتلة بالمطر، وكان ثمة خريف كردفاني مترع كعينيك حين يغلبك الشوق، هل الجملة الاعتراضية هذه طويلة يا سيدتي ؟ المهم محجوب شريف قال فيما قال ، \"في السنبلاية\": \"لقيتك في طشاشي دليل وفي حر الهجيرة مقيل، ركزت على ضراك عصاي\". * وكانت الأرض تستقبل الخريف الكردفاني المزمجر، وحيداً في غرفة طينية آيلة للسقوط ، أسبّح مع الرعد العنيف ، في ذلك الظلام الممتد، تشرقين في روحي مثل أغنية حزينة متقطعة، وصوتك يأتيني حنيناً، أقول، من أين يأتي محجوب شريف \"بالسنبلاية\" ؟ المطر ينهمر سيدتي هل تسمعين إرزامه ؟ هل تسمعين النخلة والريح والمطر في بيت السكة الحديد ؟؟ * دعك من ذلك !! * وعيناك غارقتان في دموعي، أحب دموعك حين تمتزج بالكحل الخفيف الذي لم يكن ثمة داعٍ لوضعه أصلاً عيناك جميلتان، اكتحلت أم لا.. لا تبتسمي الآن. أريدك فقط أن تؤجلي هذه الابتسامة، أسمعيني فقط . أنانية ؟؟ أبداً والله، تعرفين أنني لست أنانياً أنا مجرد \"عاشق يتعلم من الأيام ومن سأم الليالي البور\" يزاحمني محجوب شريف، بهذه \"السنبلاية\" لا أعرف كيف يقولني هذا الشاعر الرقيق بشاربه الأنيق ؟؟ * ثم يتوقف المطر، ليس تماماً، تفتر همته يبدأ في التغني والريح تغازل جريد النخلة الوحيدة في بيت السكة الحديد، أخرج لأنظر كيف يكف المطر عن الانهمار ؟ هل تعرفين كيف يكف المطر عن الانهمار ؟ ترشني النخلة برذاذ غنجها للريح . هذا \"شباكك\" سيدتي ولكني لا أستحقه. * حسنا .. * الأرض مبتلة بالمطر، وها أنا أخرج حافياً، في رمال كردفانية بليلة، ثمة برق من حين إلى آخر يلمع . البرق بشارة فيض وعلامة قديمة في العشق . امرؤ القيس، النابغة، البوصيري، البرعي، العبادي، الشيخ حياتي، السهروردي، شوقي، جلال الدين الرومي، وثمة مريد البرغوثي وكثيرون . البرق إشارة، ولي في طريقي إشارة . ولكن طرقي لا تنتهي أبدًا الى أبوابها، كما قال محمود درويش . كنت أقول لك، أجّلي الابتسامة هذه، حتى لا تكثر البروق في سماوات روحي . كوني نجومي إذن، شهبي، وسطوة خريفي الهامي الذي لا ينقطع أو يتوقف، أو يداهن. * رائحة الأرض المبتلة في خريف مبكر، تزحم عطرك البليغ، يتزاحمان في خيالي الجموح، لو أنك كنت هناك في \"كانو\" بنيجيريا، لحكيت لك حكايات قصيرة عن طفولتي القلقة الجميلة. تلك التي لا أعرف كيف أستعيدها الآن، مثلما أعجز تماماً في استعادتك، أظنني فقدتك للأبد، لذلك أهذي، مثل درويش. * كنت أقول لك: تعالي نسمع \"المقدمة الموسيقية\" لأغنية محمد وردي \"الحزن القديم\". لكنني عرفت فيما بعد أن تلك نزعات مثقفين لا تتلاءم مع العاشق. العاشق ينبغي أن يكون عاشقاً وحسب، لا يحتاج إلى إضافات أو ألقاب أخرى . فالعشق تعريف، إنتماء، وطن، وهوية. وحين يلسعك العشق، تحبلين بي، تحلمين بي، أنا أعرف أحلامك جيداً، فلا تكوني كتومة أكثر من اللازم، أجّلي هذا التكتم والتستر على العشق، فعيناك تفضحانك. * أتذكر أنني كنت أكتب اليك رسائل ، وأنا غض صغير ، ملتهب بالعشق. * الخريف جاء ؟؟ لا، ولكنِّي أنهمر على الأرض اليباب، بذاكرة كردفانية عنيدة، تشبهين نساء الكبابيش، لا بل أنت حمرية ، كلا هذا حسن مترف يليق بالمجنونيات، كلا بل أنت مسيرية، ولا حتى هذه . عرفتك، أنت تلك القبطية التي خالستني النظر، في الأبيض وهي تمر سريعاً كالحليب في قميص البيت. لا أنت إذن من أمروابة، نعم جميلات نساء أمروابة، يمشين الهوينى. لا، لابد أنني أهذي. *فأنت.. أنت.. ولا أحد سواك.. لا تشبهين واحدة أخرى، لا ينبغي أن تكوني أخرى، أنت فقط \"سنبلاية\".