رؤيا في الرد على أنجلو عبد الحفيظ مريود * فلنعد الآن إلى الأخ أنجلو، في تعقيبه المنشور بهذه الزاوية يوم الخميس الماضي، لا يخرج أنجلو كثيراً عن اعتقادات مجمل الإخوة في جنوب السودان، المؤسسة ابتداء على تحميل الشمال فشل الجنوب. لن يتجرأ جنوبي واحد من المثقفين والسياسيين والأكاديميين ليعترف بفشل الجنوب مرة واحدة طوال تاريخه في أن يكون جزءاً من هذا الوطن، له ماله، وعليه ما عليه. سيتخلص الجنوب من مسؤولياته، بكل سهولة، مبرراً، بأن الشمال لم يترك لي فرصة. لذلك سأنفصل!! * الأخ أنجلو يعرف أن الشمال كان مسيحياً قبل الجنوب بقرون عديدة، فتاريخ المسيحية في الشمال، لا يتعدى ال 150 عاماً. على أفضل التقديرات. وبقى مسيحيون في الشمال هنا. وفي قلب أم درمان، في المسالمة، فهل شكا أحد منهم بالاضطهاد الديني على الإطلاق. أم طالبوا بإعلان المسالمة دولة مستقلة عن حي العرب مثلاً؟ الشيء الآخر، هو أن المسيحية ليست الدين الغالب في الجنوب، فلماذا يصادر أنجلو، وباقان أموم، والحركة الشعبية حقوق الأغلبية غير المسيحية من الجنوبيين؟ أليست هذه أنانية دينية أخرى في الجنوب، سيدي أنجلو، بذات منطقكم؟؟ * يعرف أنجلو وغيره من مثقفي الجنوب، أنه قبل الدولة الموحدة، في العهد التركي، كان السودان عبارة عن ممالك وسلطنات. بينها ما بينها من التجارة والعلاقات والحروب أحياناً، فماذا كان الجنوب وقتها تحديداً، ولم تكن ثمة دولة مركزية يسيطر عليها (الجلابة) وقتها؟ حيث كانت السلطنات تنجز فيما بينها مشروعات (التدامج الاجتماعي) الذي لم يكتمل بعد، لم يضع الجنوب سهمه. ولم يسع إلى إقامة نظامه الخاص. ولم يتطور أبداً إلى أفق (السلطنة) ناهيك عن أفق الدولة، وهي مسافة (حضارية) بمقاييس باقان أموم ذاتها، على الجنوب أن ينجزها أولاً، قبل أن يلقى بلومه على الشمال. * لكنك، سيدي أنجلو (ستدخل وتمرق) قبل أن تجيب على سؤال د. رياك قاي، التالي، بخصوص (الفجوة الحضارية) هذه. وهو أن الذي قتل غردون باشا هم الشماليون، الذين تابعوا المهدي –طبعاً- فلماذا قرر كتشنر باشا أن ينشئ كلية تخلد ذكرى الجنرال غردون في الشمال، لتعلم أولاد أولئك الذين قتلوا الجنرال، بدلاً من أن يضعها هناك، في الجنوب الذي لم يقتل غردون باشا؟؟ * تتعامى النخبة الجنوبية الانفصالية عن قراءة تاريخ هذه البلاد. وتتجاهل تفسير مذكرات السكرتيرين الإداريين والجنرالات أيام حكم الإنجليز، فيما يتعلق بإبقاء الجنوب معزولاً. وحتى خروج الإنجليز لم يتحدث التاريخ عن حركات مقاومة لهم داخل الجنوب، إلا (هنا وهنا) ثم لما خرج الإنجليز، شهر الجنوبيون بنادقهم في وجه الشمال مطالبين (بالتنمية المتوازنة) و(العدالة) وربما (الديمقراطية) كأنما كان الإنجليز طوال حكمهم (عادلين) وما ظلمتهم إلا تلك الدولة الوطنية الوليدة. * الخطوة التالية – سيد أنجلو- هي هل تنظر إلى السودان، هذه اللحظة فقط؟؟ أم أن هذه اللحظة هي وليدة لحظات قبلها وبعدها؟؟ أحب حقيقة أن أعرف منهجك في التحليل. أخشى أنه منهج (باقاني) يقوم على نظرية امرئ القيس، الملك الضليل (اليوم خمر، وغداً أمر) لأن الحديث عن الوظائف والعدالة في التقديم والاستيعاب في الخدمة العامة، ليس سبباً للانفصال. لأن المتضرر منه ليس الجنوب فقط، بل الشمال أيضاً (بمعناه السياسي) فالأمر أكثر تعقيداً من شمالي وجنوبي. عربي وغير عربي قد يخسر الوظيفة شمالي، مسلم، عربي اسمه محمد. فماذا ستقول؟ هل يطالب الشخص ذاك بالانفصال أم ماذا؟ * أم يخوض حرباً (مدنية) مثل تلك التي يحب الإمام الصادق المهدي أن يتحدث عنها – طويلة، وبطيئة لإصلاح الأوضاع السياسية، الدينية، المهنية، الاجتماعية؟ يخسر الوظيفة الشمالي والجنوبي، الشرقي والغرابي –مثلي- ولكن ليس عليه أن يخوض حرباً مسلحة، ولا أن يطالب بالانفصال. لأن ذلك عجز عن تحليل الأوضاع تحليلاً رصيناً، وعجز عن مواجهة الإخفاقات سلمياً، وهو (تخلف حضاري) آخر. فأين ستهرب، غداًَ-لا سمح الله بالانفصال- حين يخسر الوظيفة دينكاوي، مسيحي، في دولة جنوب السودان؟ ألا تبدو لك الأمور-هكذا ساذجة بما يكفي؟؟ * حين يرتكب النظام السياسي، في بلدك أخطاء . فإن العاقل لا يهرب!! * لكن الجنوب يحب (الملح).. ويحب دائماً أن يُدلَّل (يتم تدليعه) حتى لا يغضب ويترك المنزل. مثل مراهق نزق. لم نأخذ حقنا. ظلمونا. اُضطهدنا، أخذوا منا وزارة الطاقة. حسابات البترول لا نعرف عنها شيئاً. هل تعتقد أن الصادق المهدي، نقد، الميرغني، مناوي، وكثيرون؛ يعرفون شيئاً عن حسابات وعقود البترول؟ أم أن السؤال هو: لماذا يُفترض أن يعرف كل أحد شيئاً عن حسابات البترول، ونوع الأسلحة، واحتياطي السودان من النقد الأجنبي؟؟!! صحيفة الحقيقة