* ليس من الحكمة – قطعا – استدراج أحاديث نساء أمدرمان ، في جلسات القهوة الى الصحافة. في ذلك مفسدة حتمية. ونساء أمدرمان ، أبدع محمد الواثق في وصفهن فأجاد في ديوانه الرائع أمدرمان تحتضر. على أن د. غازي صلاح الدين الطبيب المفكر والسياسي الأصولي – الأصولي هذه لا تنطبق على كثيرين من يسمونهم أصوليين – قال في حوار لمجلة \"اتجاهات\" قبل خمسة أعوام في عددها اليتيم ، إنه لو أجرينا فحصا ل\"dna\" لما وجدنا إلا عربا قليلين، ليس في السودان وإنما حتى في شبه الجزيرة العربية . * أحب أن ألفت نظر الأخ شول دينق دنقلاي ، وأنا أجاذبه الحديث حول تعقيبه أمس في هذه الزاوية إلى أن شول دينق – شخصيا – والطيب مصطفى ، وبيل كلنتون والحاج وراق ، وجينفر لوبيز ، وأسامة بن لادن ، وإن شئت هيفاء وهبي ينحدرون جميعا من آدم وحواء ، وأن مرارات أو افتخارات شول دينق أو أي آخر ، بسبب اللون والعرق لا تغير الأصل الطيني الواحد ، فمن يفخر طين ومن يتواضع طين ولا عبرة بذلك في خاتمة المطاف . * الذي أغضب شول دينق أنني قلت في \"الرد على انجلو\" أن الجنوب لم يكن قد برز الى أفق السلطنات حين كان بقية السودان ممالك وسلطنات . متسائلا ماذا كان الجنوب وقتها ؟! شول دينق لا يملك إجابة يزعم أن الذي كتب التاريخ هو الشمال فأنكر على الجنوب حقه . لكن أول من كتب عن السلطنة الزرقاء هو جيمس بروس . ولحقه آخرون بيض ليس بينهم شمالي وبروس كان قادما من الحبشة حين توقف في سنار. * والذي كتب أولا عن دارفور وسلطنتها ومجتمعها هو ناختيفال ، ثم جاء التونسي ، وهما أجنبيان أيضا إن أردت عمر السلطنات في القرن الخامس عشر الميلادي وما تلاه . أما وراء فالأخ شول دينق يعرف أن هيردوت وليني وسترابو الذين كتبوا عن النوبة (الأخيران في القرن الأول الميلادي) لم يكونوا نوبة ولم يكونوا شماليين السؤال هنا . هل كتب هؤلاء جميعا ومن أتى بعدهم ، آركل في أصل الفونج ، أو أوفاهي في الدولة والمجتمع في دارفور أو ساندراهيل ، في مجتمعات الجهليين وغيرها ، هل كتبوا جميعا انطلاقا من نزعات عرقية ، جهوية أم أن الجنوب حقا لم يكن مرتقيا الى أفق السلطنة الضيق ، فضلا عن الأنظمة المتطورة في الاجتماع ، الاقتصاد والتواصل مع الآخر ؟؟ * وحين يحاجج الانفصاليون من الجنوبيين تحت نظرية الاستعلاء فهم يدرأوون – بالأساس – فشلا واضحا في التدامج والتواصل مع المجتمعات المجاورة حتى قبل التوحد في الدولة السودانية أيام حكم الأتراك . فهذا هذا . * لو قرأ شول مذكرات الزبير باشا ، التي ترجمها السفير السابق عباس العبيد لما تجسم عناء إيراده تاجرا للرقيق . النظرة الدقيقة لمنطق الزبير باشا ، أنه شخص وحيد ، ذهب الى الجنوب ، تزوج امرأة جنوبية وأنجب منها وشكل جيشا من الجنوبيين. تساؤل الزبير باشا للمحررة الإنجليزية التي كتبت مذكراته : كيف لرجل وحيد أن يكون جيشا يحرس به تجارة الرقيق ، والجيش والرقيق من عرق واحد ، وأنا الغريب ؟ * أحيل سؤال الزبير باشا بدوري الى شول دينق . فالزبير يعتقد – حسبما جاء في مذكراته – أن الجنوبي نبيل وكرامته أهم من حياته لن يسمح أن تبيع أخاه ، بل يحرسه هو شخصيا حتى السوق، مالذي يجبره – الجنوبي – على فعل ذلك بينما أنا مرتاح في ديم زبير، وحيد، يمكن أن يقتلني الجنوبيون تحت أية لحظة أو يشعلوا النار في كوخي ؟ والرجوع – أخي شول – الى الزبير باشا على طريقة إدوارد لينو وباقان أموم يسيء الى الجنوبيين قبل الزبير باشا ، فافهم ذلك * النقطة الأخيرة هي نيفاشا ، حق تقرير المصير . نيفاشا تم توقيعها والحركة الشعبية لا تسيطر إلا على أقل من 50% من الجنوب . وعسكريا كانت في حالة يرثى لها ، ومع ذلك وقع المؤتمر الوطني على حق تقرير المصير الذي اعترف به د. علي الحاج 1993 م في فرانكفورت ، فعلام يهلل شول ؟! لم تنتزع الحركة شيئا من الشمال عنوة . وهذا ليس بمنطق حوار. * أرجو أن يتسع صدر المثقفين من أبناء السودان والجنوب خاصة. لإعادة قراءة الحقائق والوقائع ، لنخرج الى النور – بإذن ربنا – بعيدا عن أحاديث نساء أمدرمان حول \"العرق والتاريخ\" أو كما قال كلود ليفي شتراوس. صحيفة الحقيقة