حاطب ليل كهرباء أم حرازة؟ عبد اللطيف البوني شجرة الحراز مرتبطة في الذهنية السودانية بأنها في حالة حرب مع المطر لأنها تفقد أوراقها في موسم الأمطار وتصبح أعوادًا واقفة، ويمكن الزراعة تحتها لأنها لاتمنع ضوء الشمس عن النبات أما في موسم الجفاف فتخضر وتزدهر، لقد أصبح نجاح موسم الأمطار يقاس بتساقط أوراق شجرة الحراز، ومن هنا جاء المثل أن فلانًا يكره فلانًا كراهية الحراز للمطر، ومن المؤكد أن كل أرياف السودان التي وصلتها الكهرباء قد اكتشفوا أن (كهربتهم) عبارة عن حرازة فما إن يأتي موسم الخريف إلا وتصبح في خبر كان حتى ولو كان الخريف ليس ناجحًا أي ليس غزير الأمطار، فبمجرد أن تظهر تباشيره تبدأ القطوعات غير المبرمجة، يكفي أن تتجمع السحب وتوشك على الهطول يقوم الجماعة بقطع التيار، وبعد قليل تتفرق السحب ولا يعود التيار، وإذا تجمعت السحب مساء فإن هذا يعني أن يمضي الناس ليلهم بدون كهرباء هطل المطر أم لم يهطل، فالجماعة عندما يقومون بعملية قطع التيار لا يفكرون في إرجاعه بذات الهمة، ويالهم من مطفيين!، يبدو لنا أن القطع عملية احترازية لأن أهل الكهرباء يدركون أن أسلاكهم مرخية قابلة للتلامس أو السقوط على الأرض، وربما أن الأعمدة ليست مثبتة بصورة مطمئنة أو البورصلونات (لا أدري إن كنت كتبتها صحيحة؟) غير مثبتة جيدًا فالمؤكد أن هناك خللاً فنيًا في مكان ماء جعل أدوات نقل الكهرباء في هذه الحالة الحرازية من المطر، فلو كانت هناك صيانة دورية لما حدث ما حدث فالشغلانة من صنع ابن آدم، والمطر منها براء، وأذكر جيدًا أنه قبل عقدين من الزمان وأكثر كنا نستمتع بالمطر والكهرباء معًا. بالطبع أهل الريف يحبون المطر حبًا جمًا لأنه يحمل البشر والنماء وبه تخضر الأرض ويمتلئ الضرع؛ فهو مصدر الخير والسعادة؛ لذلك يدعون في دبر كل صلاة قائلين اللهم أنزل الغيث هذا إذا تأخر، ولكنهم في نفس الوقت يريدون الكهرباء لأن أيام الأمطار ظلامها دامس ومجاريها خطيرة وحفرها عميقة، يريدون مياه الشرب، يريدون دقيق العيش، لا بل يريدون أن يستمتعوا بالإرسال التلفزيوني الممتاز الذي يلازم الغيوم، ما أجمل أن تمتلئ الأرض خارج المنازل بالمياه، لا بل يكون هناك طين ووحل والواحد محبوس داخل المنزل يتغلب على نقيق الضفادع بالتجوال على الفضائيات، هذه يظهر فيها إسماعيل هنية، وتلك ترقص فيها فتاة مدريدية جاعلة من كأس العالم وشمًا في جبينها، وثالثة يغني فيها زيدان (خليك واضح يا جميل) ورابعة يقوم فيها عادل إمام بارتداء بنطاله، وخامسة تغني فيها شاكيرا ثم تقدر تغمض عينيك وتنام مرتاحًا وخالي البال شاكرًا الله على جزيل نعمائه. الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، أن كهرباءنا هذه الأيام تقطع مع أول نسمة دعاش وبمجرد ظهور السحب ناهيك إذا تجمعت وبرق البرق ومع النسيم العليل (زاد وجدي) كأنما فُرض علينا أن لا تجتمع عندنا المطر والكهرباء، وكأنَّ الاثنتين (كتيرات علينا)!! فالمطر من ربنا وهو رحمة بنا، والكهرباء (نحن دافعين قيمتها مقدمًا) والأمر المؤكد أن ما يحدث لنا ليس ظاهرة عالمية فكل بلاد الدنيا الممطرة الجميلة كهرباؤها مستدامة وكوابلها (زي الورد) وأعمدتها ليست (في وش الأرض) وأسلاكها ليست مرخية، وبورصلاناتها ليست (ملصقة ببصاق)، وكم أنت مسكينة أيتها الحرازة إذ تعادين المطر لأنه لديك موسم اخضرار وازدهار ولكن (كهربتنا) لا.. التيار