تراسيم.. مع المتعافي ..الحساب ولد !! عبد الباقي الظافر عندما كانت الإنقاذ تقتات بالشعارات.. وأفضل ما تنتجه من الأدب قصيدة (ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ).. زار الشهيد الزبير محمد صالح نائب الرئيس السوداني وقتئذٍ أهله في الولاية الشمالية، وحثّهم على زراعة القمح.. ويبدو أن مشكلات مناخية وأخرى لوجستية واجهت المزراعين.. وبعد الحصاد لم يجدوا شيئًا.. فخرجت من بين حناجرهم هتافات مشهورة (تلت للطير وتلت للإسبير وتلت للزبير ).. وثلث الزبير المعني كان يرمز للرسوم والأتاوات الحكومية التي تفرض على الزراعة في تلك البقاع . وزير الزراعة عبدالحليم المتعافي جاء بسياسة جديدة.. هي ذات السياسة القديمة ولكن في عبوة فاخرة ومصقولة.. المتعافي أراد أن يتحكم في المزارعين ويجبرهم على زراعة القمح.. وبدلاً من أن يمنحهم مدخلات إنتاج مدعومة يذهب جلها للسوق الأسود قرر الوزير الشاطر أن يُحفز المنتجيين بسعر تركيزي للقمح أعلى من السعر العالمي السائد الآن.. وعد المتعافي أن يشتري طن القمح من المزارع بألف جنيه.. وزاد على المزارع يُسرًا وأباح له أن يبيع لغير البنك الزراعي إن أراد أو إت وجد سعرًا أفضل. الواقع يقول إن مزارعنا من غير حوافز المتعافي تغطي سوقنا قمحًا بنسبة 16%.. بعد الجهد المكثف والسعر التركيزي يُنتظر أن ترتفع هذه النسبة إلى 40%.. في أسوأ التقديرات تشاؤمًا نحن نحتاج إلى نحو خمسمائة مليون دولار لإطعام الشعب السوداني قمحًا مستوردًا من البراري الكندية. الحكومة تصر على اعتبار زراعة القمح عملاً إستراتيجيًا.. وفي الواقع أنه عكس ذلك تمامًا، فمناخ السودان الجاف لايصلح لزراعة القمح بكفاءة إلا في أطراف الولاية الشمالية.. بينما كل السودان يمكن أن ينتج الذرة والسمسم والدخن بامتياز كبير ومن مياه الأمطار. شركة سكر كنانة صدّرت العام الماضي (65) مليون لتر من الإيثانول للاتحاد الأوروبي.. وكان عائدها نحو 150 مليون دولار.. فيما أكد وزير الدولة بالصناعة علي أحمد عثمان أن في إمكان مصانع السكر مجتمعة تصدير حوالى 400 مليون لتر، وهذه قيمتها السوقية تبلغ نحو تسعمائة مليون دولار. انتظروا قليلاً.. هذا الإيثانول الذي نستخلصه من القصب بنصف ثمنه نستورد قمحًا.. ماذا عن الإيثانول الذي يمكن أن يدره علينا الذرة الذي يعتبر أفضل مصدر لهذه الطاقة؟.. الوقود الذي تستهلكه سيارتك عُشره الآن من الإيثانول.. الذرة الذي تحاربه الدولة من حيث لا تدري سعره الآن في السوق المحلي يوازي القمح ويزيد عليه قليلاً.. بمعنى أن الأولى بالرعاية والسعر التركيزي هو الذرة..لا القمح. لا تعتقد أيها القارىء الكريم أن الطبيب المتعافي الذي يجيد الحساب أكثر من أي شيء آخر تفوت عليه هذه (الحسبة).. الحقيقة العارية أن حكومتنا تتوجّس خيفة من العالم الخارجي.. وتحسب أنه سيحاصرها يومًا ما ويمنع عنها الغذاء..لهذا تجتهد لزراعة القمح في غير موضعه.. والغريب أن العالم هو الذي يجزل لها في الإغاثات.. ولا يطلب منها غير أن تُحسن معاملة شعبها. مشكلة السودان دائمًا .. السياسة تسبق الاقتصاد. التيار