هناك فرق. حكاية مولانا القاضي ..! منى أبو زيد قبل أن يَقبل تشرشل التكليف الملكي برئاسة مجلس الوزراء البريطاني – أيام الحرب العالمية الثانية - سأل عن أحوال القضاء، وعندما تأكد أنها بخير، على الرغم من استشراء الفساد، تفاءل بإمكانية العبور إلى ضفة الإصلاح..! أضابير تاريخ صدر الإسلام تحفظ قصة اليهودي الذي اعتنق دين محمد، بسبب عدالة القاضي شريح، بعد أن نازع سيدنا علي – أمير المؤمنين وقتها - على ملكية درع، فاحتكما إلى قاضي المدينة، الذي رفض شهادة الحسن والحسين، ذلك أن شهادة الابن لا تجوز ..! شؤون القضاء هي شغل الصحافة – هذه الأيام - في بلاد تشرشل وشبه جزيرة شريح – على حد سواء – فالصحافة البريطانية أسهبت في تناول قرار المحكمة العليا في لندن بالاعتراف بشرعية اتفاقيات ما قبل الزواج (المأخوذ عنها في معظم المحاكم الأوروبية).. حدث هذا بعد أن حكمت لصالح مطلقة ثرية باسترداد أموالها من زوجها السابق بموجب اتفاق مماثل..! قالت الصحف البريطانية إن المحكمة العليا قد خرجت عن الحدود الواجب عليها الالتزام بها .. فبدلاً من تفسير القانون، استحدثتْ قانوناً جديداً بموجب تلك السابقة .. وعليه فهي – أي المحكمة العليا – مخطئة .. وكدا..! أما الصحف السعودية فقد سوّدت أوراقها وشغلت قرآءها بحكاية قاضي المدينةالمنورة الذي تورط بقضية فساد مالي كبير، بمعية وسيط مالي هارب وعدد من المستفيدين .. وعندما استمع المحققون إلى أقوال القاضي المتهم، قدم الرجل أغرب مرافعة في تاريخ القضاء العالمي..! فقد بسمل مولانا القاضي وحوقل، ثم أعلن أنه (مسحور) .. مسحور .. مسحور يا ولدي..! وهو ما يزال في طور العلاج بالرقية الشرعية من سيطرة الجن .. كل ذلك بعد أن تمكن الوسيط الهارب من عمل سحر كارب، ومن ثم السيطرة عليه لتمرير المعاملات وتسهيلها دون أن يشعر هو بذلك..! الصحف السعودية المحافظة - بطبعها – كان لسان حالها التهكم (هذه المرة) .. فهي لم تترك لمولانا القاضي صفحة يرقد عليها .. أحد كتاب الأعمدة قال ساخراً إن المواطنين سوف يخافون الذهاب إلى المحاكم خشية أن تكون مسكونة بالجن! .. بينما تساءل كاتب آخر عن مدى مفعول ذلكم السحر بعد أن أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً ينفي فيه وجود القضية المثبتة بالمصادر – الصحفية - الدامغة..! ثم حملت الصحافة هجسها إلى رئيس ديوان المظالم (أعلى جهة حسبة) الذي قال إن تأديب القضاة خط أحمر! .. لكنه مطمئن .. ف (دستة) شكاوى خلال عشرين شهراً، رقم طبيعي وغير مقلق البتة..! الشاهد من كل هذا .. ومن بعض ذاك مفهوم – بالطبع!- .. أليس كذلك؟! .. يبقى القضاء (عرض) الشعوب و(شرف) الدول .. لكن (الحساسية) المفرطة في التعامل مع مبدأ الشكوى – مطلق الشكوى ! – حين بعض الهفوات الشخصية، لبعض القضاة، ليست بالفكرة الصائبة..! فهدف الصحافة ليس التشكيك في نزاهة أو عدالة – لا سمح الله! - بقدر ما هو الخوف من تسلل لعنة البيروقراطية العمياء .. والتعسف السلطوي .. والتسلط الوظيفي إلى مكاتب ذلكم الجهاز الرفيع، النبيل..! في جعبتي حكاية محليَّة .. حادثة بلون العنت والتَعسُّف .. الشاهد منها ليس سلوك القاضي .. بل قوة تأثير مثل ذاك السلوك على مصالح (المساكين) من أصحاب الحوائج الذين لا حيلة لهم ولا حول .. كنتُ سأهتف بكم (انتظروني غداً) – على طريقة أستاذنا زهير السراج في مناظيره !– لكنِّي خشيت أن أخذلكم .. لا أعدكم بأن تقرأوا حكاية ممتعة..! التيار