إليكم الطاهر ساتي [email protected] أيتها المفوضية ... تلك قسمة ضيزى ..!! ** قبل عام تقريبا ، قادني الحظ الجميل إلي أم دافوق ، وهي عرائس مدائن البلد الحدودية بجنوب دارفور ، تلا رمليا نبتت عليه أشجار متنوعة يفصلها عن أم دافوق إفريقيا الوسطى..ما بين المدينتين الحدودين سهول خضراء نجحت في أن تجمع أطفال وشباب السودان وإفريقيا الوسطى، حيث إتخذوها ملاعبا لكرة القدم ومضمارا لسباق الدرجات، لاتعرف إلي بلد ينتمي الطفل منهم أو الشاب إلا حين تسأله..لا تتبين العلامات الحدودية ما لم تسأل عنها، وليست هناك متاريس تمنع التواصل الإجتماعي بين مواطني البلدين..والمدهش أن هناك - في أم دافوق السودانية – سوقا هو ذات السوق الذي يتسوق فيه ومنه أهل أم دافوق إفريقيا الوسطى..وهكذا ، تصاهر إجتماعي فريد من نوعه يتحدى الحدود الجغرافية للبلدين..وكنت أحسب إلي وقت قريب بأن نموذج التعايش المثالي بين مواطني دولتين هو تعايش النوبة فيما بينهم على الحدود السودانية المصرية، ولكن في أم دافوق إكتشفت بأن تعايش أهلها مع أهل إفريقيا الوسطى هو ( النموذج الأمثل ) ..!! ** ومع ذلك، حين ولجت إلي سوقهم المشترك حزنت .. سألتهم عن سعر كيلو اللحم ، فضحكوا ثم قال رد أحدهم : اللحم هنا بالكوم، مابالكيلو.. نظرت إلي الكوم ، لايقل وزنا عن ( 2 كيلو )..سعر هذا الكوم كان يومئذ خمس جنيهات فقط لاغير..والطماطم أيضا، كان يباع بالصفيحة، بسعر أقل من سعر علبة سجائر برنجي بالخرطوم ، جنيهان..أما اللبن ، فأنا أشك أن هناك من يبيع أو يشتري اللبن ، وفرته تتجاوز سقف البيع والشراء ..وحال الرخاء فى كل أنواع الخضر والفاكهة، كان كحال الرخاء في اللحم والطمام واللبن ..هذا الرخاء لم يسعدني، بل نبهني إلي حالة الكساد التي تعيشها خيرات أم دافوق ..منطقة منتجة، بيد أن إنتاجها كاسد، بحيث لا يفيد المنتج ..ولهذا ليس مدهشا بأن ترى الناس هناك فقراء، وما هم بقراء، ولكن عجز الدولة عن توفير مناخ تسويقي لخيراتهم هو ما يجعل الأهل يقسمون أنفسهم مابين حياة الفقر وحياة التمرد..ليس فى أم دافوق فقط ، بل فى دافور كلها..ولك أن تعلم ، صديقي القارئ ، بأن المنطقة الحدودية التى نتحدث عنها لا تبعد عن عاصمة الولاية – نيالا – أكثر من ثلاثمائة كيلومتر معبدة بالتراب والغابات والخيران، وليست بالأسفلت الذي كان يجب أن ييساهم فى توزيع وتسويق ذاك الإنتاج بما يفيد المنتج وكل أهل السودان ..!! ** والأهل هناك ، في أم دافوق وغيرها من مناطق دافور ، لايحلمون بمصانع تستوعب طاقتهم البشرية التي نجحت في إستيعابها حركات التمرد عندما غفلت أجهزة الدولة المناط بها توزيع المشاريع الإستثمارية بالقسط والميزان .. ولايحلمون بمصانع تعلب وتغلف إنتجاهم الوفير، ألبانا كانت أوخضرا وفاكهة ولحوما.. فقط يحلمون بشوارع أسفلت تربط عواصم ولاياتهم ومدائنهم ببعضها ثم تربط إ قليمهم بعاصمة البلد، ليفيدوا الناس والبلد ثم يستفيدوا هم بما ينتجون ..هكذا الحلم في تلك المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، منذ تاريخ الإستقلال وحتى عهد ( خلوها مستورة ) ..وعدم تحقيق هذا الحلم هو الذي حول – ولا يزال يحول - عقول الشباب وطاقاتهم من مواقع الإنتاج إلي خنادق الحرب ومدن النزوح ..ويبدوا أن مفوضية تخصيص الإيرادات المالية الإتحادية لم تستوعب الدرس بعد ..!! ** ولكى لا تستوعبه في ضحى الغد ، حيث لاينفع الإستيعاب ولا الندم ، يجب نصحها بأن تعيد ترتيب قائمة الولايات الموعودة بتلقي الدعم الإتحادي فى العام المالي المرتقب .. إذ ليس من العدل أن تضع المفوضية جنوب دافور فى المرتبة الخامسة ، وتضع الخرطوم والجزيرة وشمال كردفان على التوالي في رأس القائمة ، من الأولى إلى الثالثة..علما بأن شمال دافور وضعت فى المرتبة الرابعة ، قبل جنوب دافور..هذا ليس من العدل ، وصدق مستشار والي جنوب دافور، المهندس محمد عبد الرحمن مدلل ، حين وصف المفوضية بالظالمة.. نعم ، ظلمت المفوضية جنوب دارفور وكل دافور.. فالتخصيص العادل للموارد الإتحادية، حين يصطحب الحال الإقتصادي للولايات وظروفها الأمنية ثم كثافاتها السكانية، يجب أن يضع ولايات دافور الثلاثة على رأس القائمة، ثم تليها بقية الولايات.. حيث مناطق الإنتاج الضاجة بالكثافة السكانية هي التي بحاجة إلي( بنية تحتية ) ..ماهي القيمة الإقتصادية لكبري قرية أم الطيور، على سبيل المثال ؟.. قيمته الإقتصادية لم تتجاوز حتى الآن أم الطيور هي مسقط رأس وزير المالية الأسبق .. وبما أن هناك جسرا في دنقلا ، ما القيمة الإقتصادية لجسر الدبة الذي يبعد عن جسر دنقلا ثلث الساعة فقط لاغير ؟..وبما أن هناك طريقا بشرق النيل يربط دنقلا بحلفا ، ما القيمة الإقتصادية لطريق غرب النيل الذي يربط دنقلا بحلفا أيضا ؟..وهل الأجدى للناس والبلد توزيع شبكات الطرق والجسور بحيث تربط كل مدائن البلاد وأقاليمها وولاياتها ببعضهما ، أم الأجدى توزيعها ثم إعادة توزيعها في أرياف ولايتين وعاصمة ؟..محض أسئلة للتدبر ثم للعظة والعبرة ، حتى لا يعيد تقرير المصير إنتاج ذاته بعد إنفصال الجنوب .. نرجع لقسمة المفوضية الضيزى .!! ** نعم الكثافة السكانية بجنوب دافور أعلى من شمال كردفان والجزيرة ، حسب التعداد السكاني الأخير ، إذ جاءت في المرتبة الثانية بعد الخرطوم ، وكذلك تفتقر مدن جنوب دافور إلي شوارع تربطها ببعضها، كتلك الممتدة بين بين مدني والحصاحيصا ، وبين بارا والأبيض ، وبين دنقلا وكريمة، وبين شندي والمتمة ، ليس هناك طريقا سالكا يربط الفاشربنيالا ولا الجنينة بهذه وتلك ..ثم لك أن تعلم ياصديقي القارئ بأن ولاية جنوب دافور خالية تماما من أي مشروع أو مصنع يستوعب مائة عامل أوأقل ، كما مصانع السكر بالجزيرة والأسمنت بنهر النيل وغيرها وغيرها بالخرطوم ..ومع ذلك قدمت عليها مفوضية تخصيص الموارد - فى قائمة تلقى الموارد الإتحادية - ولايات الخرطوم ، الجزيرة ، شمال كردفان ، وهي ولايات ذات طرق وجسور ومصانع ومشاريع وكهرباء .. وإن لم يكن التعداد السكاني الأخير يصلح بأن يكون معيارا لقسمة الثروة ، فلم أهدرتم فيه الأموال وأرهقتهم فيه الإحصائين و شغلتهم به مجالس الناس وصفحات الصحف ..؟.. أوهكذا نسأل تلك المفوضية ..!!