بالمنطق فيم البكاء إذاً..؟!! صلاح عووضة ٭ جاء في الأخبار أن نفراً من حجاج بيت الله من مسؤولي الانقاذ بكوا بكاءً مراً خلال أدائهم شعائر حج هذا العام.. ٭ بكوا عند وقوفهم بعرفة.. ٭ وبكوا حين سعيهم بين الصفا والمروة.. ٭ وبكوا لحظة طوافهم بالبيت الحرام.. ٭ وأن يبكي الناس في الحج فهذا أمر عادي ولا يستحق أن يشار إليه ك(خبرٍ!!) في الصحف.. ٭ أما أن يبكي (ناس) الإنقاذ فهذا أشبه بالإنسان الذي يعض كلباً.. ٭ ومن المنظور هذا فقد احتفت صحافتنا بهذا البكاء باعتباره (خبراً!!).. ٭ وكاتب هذه السطور كان قد تساءل من قبل عن أسباب عدم بكاء أهل الانقاذ إسوة بالذين قالوا إنهم يقتدون بهم من الصحابة الولاة والخلفاء الراشدين.. ٭ فقد وثّق لنا التاريخ لحظات بكاء عديدة من تلقاء الذين يقتدي بهم الانقاذيون - أو كما قالوا - خشيةً من الله أن يكونوا قد (ظلموا!!) رعاياهم وهم (لا يشعرون!!).. ٭ ولكن الإنقاذيين هؤلاء (يُشعرهم!!) الناس بظلم واقع عليهم ورغم ذلك لا يبكون.. ٭ دعك من البكاء؛ ولا حتى ينفعلون.. ٭ دعك من الانفعال؛ ولا حتى (يحسون).. ٭ دعك من الإحساس؛ ولا حتى يعترفون.. ٭ نعم، لا يعترفون بأن هنالك مظالم أصلاً، أو سرقات، أو تجاوزات، أو انتهاكات.. ٭ لماذا يبكون إذاً؟!!!.. ٭ وكدنا نصدق نحن أن عدلهم سد منافذ الظلم كافة حتى لم يعد هنالك معنى إلى أن (يتظاهروا) بالبكاء إسوة بالولاة والخلفاء الأول.. ٭ كدنا نصدق ذلك إلى أن فوجئنا ببكاء شديد - حسب الأخبار هذه - من تلقائهم خلال أدائهم مناسك الحج.. ٭ ذلك الحج - لهذا العام - الذي شابته شوائب عديدة أدت إلى وقوع (ظلم!!) - حسبما رشح من أخبار - على بعضٍ ممن استوفوا (الشروط!!) كافة التي وضعتها هيئة الحج والعمرة.. ٭ ظلم أدى إلى النفر هؤلاء من أداء مناسك حج هذا العام ليحظوا برؤية (دموع) إنقاذية لا تقل ندرة عن رؤية المذنب هالي.. ٭ ثم هنالك مظالم أخرى - أخف وطأةً - تعرض لها المحظوظون - من غير أهل الانقاذ تتمثل في (بهدلة) و(شلهتة) و(مرمطة) أشارت إلى نماذج منها صحافة بلادنا.. ٭ وهذه أنواع من المظالم لم يتعرض لها - بالتأكيد - حجاج الانقاذ وإلاّ لقلنا انهم بكوا عند البيت الحرام من شدة الإحساس بوقع هذه المظالم.. ٭ فهم حجوا حجاً سياحياً (ممتازاً).. ٭ ثم حتى لو افترضنا وقوع مثل هذه المظالم عليهم فلا معنى لأن يبكوا وهم الذين بأيديهم أمر حل هيئة الحج والعمرة، أو فصل القائمين عليها، أو - على الأقل - محاسبتهم حتى (يبكوا).. ٭ لماذا بكى - إذاً - حجاج هذا العام من مسؤولي الإنقاذ؟!.. ٭ هل تراهم تنبّهوا - أخيراً - إلى ظلم وقع على المحالين الى الصالح العام؛ فمات منهم (كمداً) من مات، وفُصل من ابنائهم في المدارس من فُصل، وجاع من أفراد أسرهم من جاع؟!.. ٭ أم هل تُراهم بكوا بسبب تضييق على الناس في معاشهم جراء تنفيذٍ تعسفي لسياسة التحرير الاقتصادي؟!.. ٭ أم - ربما - بكوا لما (حدث!!) لكثيرين طوال فترة حكمهم مما لا يرضاه رب البيت الذي حجوا إليه؟!.. ٭ أياً ما كانت الأسباب التي قد تكون أبكتهم - من الشاكلة هذه - فهي لا يجدي معها البكاء إن لم يصحبه عمل ل(مسح) آثار هذه الأسباب. ٭ مسح دموع (المظاليم) من أبناء الشعب.. ٭ فالله يمكن أن يعفو عما هو بينه وبين العبد في إطار (العبادات).. ٭ أما الذي بين العباد أنفسهم - في إطار (المعاملات) - فعفو الله فيه لاحق للعفو البشري.. ٭ لعفو المظلوم عن المظالم.. ٭ وعفو المضروب عن الضارب.. ٭ وعفو المسروق عن السارق.. ٭ ومثل العفو هذا - في أغلبه - لا يتم إلا بعد (تسويات) يُنصف فيها المظلوم عما لحق به من ظلم.. ٭ فلو كان بكاء حجّاج الانقاذ - إذاً - بسبب إحساسٍ بمظالم مثل هذه فهو بكاء تُسكب فيه دموع (في الفاضي).. ٭ فدموع مظاليم الانقاذ مازالت في انتظار من (يمسحها).. ٭ والمسح هذا لا يكون إلا بمسح لل(مسببات).. ٭ والمسببات - حسب علمنا - مازالت موجودة.. ٭ فما معنى - إذاً - أن تكون هنالك دموع في (مكانين)؟!! ٭ دموع (هنا) يصرخ صاحبها ب(حرام، حرام).. ٭ ودموع (هناك) يصرخ صاحبها ب(لبيك) عند (البيت الحرام).. الصحافة