فى غابر الأيام ما يعظ الفتى ولا خير فيمن لم تعظه التجارب ولكن لا تكاد الايام تبرهن بحسب الواقع إلا اننا الشعب الوحيد الذى لا يستفيد من تجاربه السالفة والتى هى فى الحقيقة دروس مجانية لتقويم ضلع الحاضر ، لذلك لا يكلف المراقب لما يجرى فى الساحة نفسه ادنى جهد فى اكتشاف وجوه الشبه بين امسنا البائس ويومنا الاكثر بؤسا، وإنا لا ندرى أمرد ذلك لشر اريد بنا ام اراد ربنا لنا بذلك رشدا على غرار المثل السودانى الخالص ( كترة العترة بتصلح المشيه) غير ان عثراتنا تتزايد بمتوالية هندسية بينما لم نبارح فى تعلم المشى مرحلة التأتأة بعد.. وما اطول الدرب وما اقل الزاد. وتحملنا الذاكرة العامرة بالمحن الى ما دار من تفاصيل فى مايو من عام 2006م عندما تملك الزهو السيد مناوى وهو يجلس الى وفد الحكومة السودانية متمثلة فى المؤتمر الوطنى على طاولة مفاوضات ابوجا، بينما عاد المؤتمر الوطنى الى القلعة الحصينة يمشى الخيلاء لكونه (كسر الدش) فى ايدى الحركات الدارفورية الاخرى التى رفضت الجلوس على طاولة «ابوجا» وأذن مؤذن فى الناس ايذانا بانتهاء الحرب فى دارفور بعد انهاء التمرد بتوقيع الاتفاقية مع زعيم حركة تحرير السودان منى اركو مناوى ، لا غرو فقد اتى المؤتمر الوطنى حينذاك بالديب من (ديله) وحقق من السلام فى دارفور ما يستطيع به ان يدرأ به عنه عذاب ما تتلو امريكا من قائمة العقوبات ، فضلا عن إلقام كل (العملاء و المأجورين ) الذين يسوقون الفتن الرخيصة لإذكاء نيران الحرب حجارة، بحسب “اعتقادهم"، وحمل السيد مناوى والاشاوس الذين معه ما يملكون من حطام الدنيا ، وحطوا رحالهم على كراسى السلطة التى لم يبلغوها الا بشق الانفس ، وظنوا انهم مانعتهم (ابوجتهم) ولكن اول قصيدة وفاء المؤتمر الوطنى بالاتفاقية كان كفرا بواحا عندما وصدت ابواب حجرات الامتحانات فى وجوه طلاب دارفور الذين قالت بنود ابوجا بإعفائهم من الرسوم الدراسية وحيل بينهم وبين الجلوس على مقاعد الامتحانات وتقطعت بهم الاسباب .وعندما بلغت الحلقوم باح مناوى بما يجد تحت ظلال القصر المنيف من تهميش ، بعد مرور عام فقط من عمر (عسل) ابوجا ، وكبير مساعدى رئيس الجمهورية لا يستشار ولا يسأل وان كان (كبير) تمييزا له عن الآخرين ،وكنا قد درينا ان العرب تسمى بعض الاشياء (تفاؤلا) باسماء اضدادها ، فكان المريض بقليل عافية، وحسب ابوجا من اصباغ النعم على الرجل جلوسه على كرسى الاستشارة الرئاسية، فهذه لسيت تقليعه من عندنا فللاسف هناك من يعتقد ان الاستعاضة عن الكلام بالصمت هو ثمن اكتساب ماهو طبيعى ، وهكذا هو العهد بالمؤتمر الوطنى ابدا كريما ودائما ما يعطى الاقوام اكثر مما يستحقون ، هكذا كان الامر مع نيفاشا التى اعطت الحركة الشعبية التى كانت تتنزه بين ادغال الجنوب واحدا وعشرين عاما (سمبلا) دون ان تحلم بالصدقة ب(جالون) واحد من النفط ، أليس المؤتمر الوطنى حزب الاعضاء ميسورى الحال بطبعهم بحسب د. ربيع عبد العاطى، هو الحزب ولى النعمه الذى ورث السودان كابرا عن كابر . ثم اعلنت حركة تحرير السودان (تيار الاصلاح)(فصل مناوى رئيس حركة تحرير السودان ونائبه الدكتور الريح جمعة محمود بجانب فشله سياسيا وتنظيميا ونقله لقوات الحركة الى الجنوب دون علم مؤسسات الحركة فيما مارس الاخير سياسة التضليل على قيادات الحركة وجماهير دارفور بان الحركة ملتزمة بالسلام لتمرير مخطط مناوى بالعودة الى الحرب عقب استفتاء تقرير مصير جنوب السودان) . وفقا لخبر اوردته صحيفة آخر لحظة 8\\ديسمبر. والمجموعة المنشقة عن الحركة (المناوية) والتى وفقت فى اختيار اسم ذو جرس رنان وبريق جاذب(تحالف قبائل دارفور الكبرى) تتهم مناوى بالفساد فى ادارة السلطة الانتقالية وتهميشه للقيادات الميدانية بطريقة عنصرية بجانب تلقى اموال طائلة من الادارة الامريكية عن طريق الحركة الشعبية ، واستغلال اموال السلطة الانتقالية فى مشاريع لمصلحته الشخصية خارج السودان. ونقول تعليقا على التهمة الاخيرة ان هكذا هى خلائق (السفهاء) فهى دوما تعدى والنار توضع فى الرماد فتخمد ، فتلك هى آفتنا ، فكل ما سبق من اتهام حظى به مناوى مفهموم ، ولكن... لله در اقوام يعيشون حد الكفاف ويسألون العالم الحافا فى معسكرات التشرد والهوان فكم تطاول عليهم امد المآسى بما كسبت إيدى الحركات وأيدى «البركات الظاهرية» التى تملأ الفضاء تبشيرا بسلام يسمع ولا يرى قد عم دارفور ، والسؤال الذى يطرح نفسه بين يدينا .. ترى ما هو السبب الذى حمل مناوى لترك قصره المنيف فى قلب الخرطوم وكرسيه الاستشارى الوثير والاستعاضه عنهما بالاقامة كمواطن عادى ينطق من الايمان بوحدة الوطن الذى وصى عليه جدودنا زمان كما ظل يطربنا المؤتمر الوطنى، وكما ظلت تأكيدات مناوى فى مقابلاته الصحفية ، بعد ان استبدل الذى هو خير بالذى هو ادنى (بفهم الجماعة) طبعا ، ياترى ألهذه الدرجة يجحد الرجل النعمة ، لم يدر مناوى بان ليس هناك ما يستحق ان يضحى من اجله بمنزل فخيم فى موقع استراتيجى وترك الاشباح تمرح فى بهوه . ولما كانت قائمة التشكيل الحكومى الجديد قد خلى من اسم مناوى فان القوم ارادوا بذلك (قرص ودنه) بيد ان الخطوة الاخيرة بظنهم كانت القاصمة لظهر الرجل إن سولت له نفسه العودة الى الخرطوم يوما فسوف يهيم على وجهه مشردا بعد ان أغلق باب القصر الذى اهدى له فى وقت سابق بالشمع الاحمر ووقف الغلائظ الشداد على بابه فى رسالة تذكيرية تفيد ان(باستطاعتنا ان نعيدك سيرتك الاولى)، فضلا عما آل اليه حال قواته من ترصد لكونهم غدوا اهدافا ينال منهم حيثما ثقفوا . لكم اجد ان هذه البلاد (محسودة) على رأى المبجل عوض الجاز، وهى تترصد المارقين من كل اتجاه وايم الله إن ذلك لتحدٍّ كبير امام الشريك الاكبر لو لا ما طمئن به د. نافع على نافع فى حديثه لقناة الجزيرة (وفقا لصحيفة الصحافة 9\\ديسمبر)بقوله :(انفصال الجنوب سيكون مقدمة لتنفيذ مخطط تمزيق السودان الى اربع دويلات ، ولكنه اكد انهم قادرون على احباط المخطط ، مشيرا الى حجم تسليح الجنوب الآن الا انه ليس بأحسن من الشمال ولا يشكل خطرا عليه ، وعبارة(ليس بأحسن من الشمال) تلك من المعلوم (بالضرورة) ومثل ذلك الحديث الشجاع غير المنكسر والمبالى بما تحدق بالبلاد من بلاوى يثلج الصدور ويبعث المفخرة !! . وكبيرة مناوى التى تلقف ما قال به د. نافع بعد شهادتنا على شكايته لطوب الارض من عدم التزام المؤتمر الوطنى ببنود ابوجا فيما أتى فى حوار له على صفحات الاحداث اجابة على سؤال هل أنت نادم على مكوثك فى القصر الجمهورى؟(لم اندم على توقيعى ابوجا وتقليد المنصب الرئاسى ولو رجع التاريخ مرة اخرى سأقوم بتوقيع اتفاقية ابوجا ، لأننى على الاقل عرفت كيف يفكر المؤتمر الوطنى وكيف يتخذ القرار بداخله ). ولأيم الله فان ما حصد مناوى فى السنين الاربع لهو كبير انجاز وغاية طموح المساكين والضحايا والاطفال الذين اغتالت المعسكرات براءتهم وافسدت عليهم زهرة صباهم ، ومبلغ طموحهم هو معرفة كيف يفكر (العبقرينو) المؤتمر الوطنى!! قل بربك يا هداك الله هل من استهتار بقضايا الشعوب اكثر من ذلك ؟ وحركة تحرير السودان (تيار الاصلاح) بما اقدمت عليه أعادت انتاج المواقف بولادة مناوى آخر والسعيد من يعتبر بغيره.ثم ان الاستراتيجية المنهج الذى يتبعه المؤتمر الوطنى فى التعاطى مع الحركات الدارفورية لن يخلص بالكل الى حل يكفل لاهل (المعسكرات) التمتع بالحد الادنى من الحقوق الانسانية كحق اصيل لهم ، لا باعتبارهم مواطنين فى هذا المليون ميل بل بحقيقة ما قدموا له من تاريخ مشرف، وقول مفاوضيهم الذين اختيروا بعناية، ولحكمة اعتقد فيهم لإدارة الملف، واللغة الآمرة المستعلية التى يخاطبون بها الحركات الدارفورية تعمق الازمة وتحكمها ،انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم وليسعد النطق ان لم يسعد الحال ، ولاشك فى ان للغة المنعم المتفضل الذى يتحدث بها المفاوضون من جانب المؤتمر الوطنى لا ينبىء ولا يشف الا عن قلة الحظ من الحكمة، علاوة على تعقيدها للأزمة واذا كان هناك من يعتقد ان سياسية ضرب الناس بعضهم ببعض واستضعاف واستقواء حركة على حساب الاخرى سيساعد فى اجبار وكسر شوكة (الحركة المعزولة) لركوب سفينة المفاوضات فان ذلك لن يخلص الى حل ، وهو إذ يفعل ذلك لا يمارس السياسة بذكاء كما يعتقد بقدر ما ينطلق من عقلية محشوة بإزدراء الآخر والاستخفاف بمقدراته الذهنية وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة تمزيق الصورة الذهنية النمطية إزاء بعض مكونات المجتمع السوداني ان رمنا الاجتماع على قلب رجل واحد، والتصالح وحقيقة ان الانسان يفهم بالتعلم لاسيما والمحن التى ضربت اجزاء السودان كانت كفيلة بالتعلم والاستيعاب والتسميع عن ظهر قلب، الامر الذى يجيز لنا القول إن مناوى لم يكن موفقا فى تضييع سنوات اربع لاكتشاف ومعرفة ماهو معروف اصلا بالوقوف على الساحة السياسية ، فسياسة فرق تسد التى اعتمدت للإمعان فى شق صفوف الحركات (الاميبية) فى دارفور بظن التفاوض على اقل سقوف المكاسب غير صائبة او مجدية فلابد من المداواة بما كان الداء اصلا. وما نموذج الطريقة التى ادار بها المؤتمر الوطنى اتفاقية ابوجا ببعيد عما نقول فالامور عندما تتعلق بمصير شعب كامل ادعى لعدم التعامل ومنطق (العنتريات) وضيق الصدر على نحو(لن نمضى عمرنا فى التفاوض مع الحركات) والسؤال الاحرى اذا كان ذلك هو المنطق، فمن الذى نفخ الروح فى تلك الحركات واضطرهم ابتداء ، ثم ان نموذج ابوجا هل يحوي فى طياته ما يغري من يجنح لسلم من تلك الحركات للتوقيع دون الاخريات؟ ، وحتى ان كان هناك توقيع فهل يكون لصيانة وجوه قوم مؤمنين من الاستهداف الخارجى فقط لتكون المحصلة على الجانب الاخر لعق الصبر واستجداء الإيفاء بالمسحقات؟! ،وسماع نغمات من جنس (عطاء من يملك لمن لا يستحق )او النغمة (المشاتره) التى صدح بها د.عوض الجاز والقوم يلملمون اطرافهم ايذانا بغروب شمس الوحدة (نيفاشا اعطت الحركة الشعبية اكثر مما تستحق)!!.. المفاخرة الحقيقية ليست بالمليون ميل الذى بدأت اركانه فى التصدع ، انما المفاخرة بكيفة النجاح فى ادارة تلك الاميال واحترام مكوناتها الاجتماعى والثقافى والعرقى والدينى ، لاسيما وان الواقع اثبت بامتياز فشل فرية شعار المشروع الحضارى (وحدة فى تنوع) على طريقتهم ومشيئتهم ، والا فلن يبارح اتفاقيات المؤتمر الوطنى مع الحركات الدافورية محطة (كلما خرجت حركة لعنت اختها الموقعة). أما وقد نظم القوم وحلفاؤهم الجدد فى منى اركو الذى يراعى خيل آماله اليوم بجوبا ،ما نظموا من موشحات تقول برحلة المعتدى وفراق الظالم ، هل تستقيم قناة ابوجا لاسيما وان المؤتمر الوطنى قد ألبس جناح ابوجا المتعاون وشاحا من الثناء على التزامهم ، هل يبلغ جواد ابوجا روما تطبيقها بعدما ترجل مناوى الذى كان يثقل عليه حد إعجازه عن السير ، هل يخلص مصير (المناويين) الجدد الى حال افضل ام ان (لعنة المواقف) ستظل تلاحقهم ؟. الاحداث