[email protected] ذات جولة بين موجات الإذاعات المحلية، تعثرت بأحد برامج إذاعة البيت السوداني، لم تسمح ظروف المصادفة بالتقاط اسم البرنامج، لكنها سمحت بالتقاط عبارة أعجبتني بقدر ما أضحكتني .. فطرزتها في قماش ذاكرتي إلى حين ..! من مفردات العبارة الصوتية خمنت موضوع النقاش الذي كان شيئاً على غرار \"طريقة التعبير عن المشاعر في علاقات الأزواج عندنا\"، ويبدو أن ما فات علي سماعه من الحديث المبتور كان استعراضاً طريفاً لتاريخ (أزمة التعبير اللفظي) عن مشاعر الحب بين الأزواج عندنا ..! أما نص العبارة فكان مضمونه أن زيادة محتويات (قفة الخضار) كانت خير مثال للتعبير التقليدي عن محبة الزوج، وفي مقابله تعبر الزوجة عن حبها بالإخلاص في طبخ محتويات تلك (القفة) .. واليوم لم يتغير الحال كثيراً .. فما تزال المواقف المادية الصامتة هي وسيلة التعبير بين الأزواج في مجتمعنا ..! تلك اللقطة الكوميدية الصوتية أغرتني بالعودة إلى ممارسة هواية أصيلة، ساعدتني ظروف نشأتي خارج السودان على إشباعها (المقارنة بين مفردات الخطاب، وأيقونات التواصل العاطفي بين الأسر السودانية و غيرها من أسر الشعوب الأخرى) ..! وفكرت في البون الشاسع بيننا وشعب جارتنا مصر في هذا الصدد .. ف التداخل التاريخي والجغرافي بيننا والمصريين لم يلق بظلاله على الأنماط السلوكية والملامح الشخصية .. الشعب المصري - من الوزير .. إلى التاجر .. إلى الموظف المطحون .. إلى الخفير - يحمل شهادة دكتوراه في علم الكلام، الفرد عندهم مهما قل نصيبه من الرزق أو التعليم متحدث لبق بالفطرة، والمنشأ، والمعايشة الاجتماعية ..! ومفردات وأيقونات المخاطبة والتواصل بين الأزواج عندهم تكاد أن تكون نقيض نظيرتها عندنا .. من كلمة (حبيبي) التي تتوسد أطراف ألسنة الأزواج .. إلى صراحة (تواصل العيون) وتناغم (لغة الجسد) التي تطغى على تعاملهم في الأماكن العامة .. هذا بصرف النظر عن خارطة (الدواخل) .. المهم أن اللسان حلو والباقي على الله ..! بينما يحرص الزوج النمطي عندنا على أن تسبق خطواته خطوات زوجته بفارق متر إلا قليلاً .. وتتسربل ملامح الأزواج عندنا بالجدية التي تبلغ حد الصرامة عندما تضطرهم الظروف إلى إدارة أي حوار جانبي بحضور الآخرين، وكأن إظهار التواصل والتناغم العاطفي ضمن إطار الأدب والاحتشام عيب، وكأن استشعار الآخر لعمق محبتهما كأزواج ذنب اجتماعي يستعيذان من الوقوع فيه ..! عندما يتعلق الأمر بالمشاعر و .. و .. يجد الواحد منا نفسه محشوراً في خانة الإنشاء العاطفي، يلجم الحرج لسانه، وتحتل الأفعال مكانة الأقوال .. الرجل السوداني هو أفضل الأزواج وأكثرهم شهامة إخلاصاً بشهادة الآخرين .. لكنه يفضل التعبير المادي ..! .. هو على استعداد ل هد الجبال عن طيب خاطر مقابل أن لا يخاطب زوجته ب كلام حلو أمام الناس، أما الزوجة عندنا فأضل سبيلاً وقد يوردها دخوله عليها بباقة ورد موارد الظنون .. نحن شعب يعاني (أزمة بوح) متوارثة بتوارث مناهج التربية الأسرية، والحل في تطوير الإرث الاجتماعي بما يكفي لحلول التغيير .. اللهم قلص مساحات أمتارنا .. وفك تقطيب رجالنا.. واحلل عقدة ألسنتهم .. يفقه قول نسائنا ..! عن صحيفة التيار