[email protected] سأحكي قصتها كما حكت لي (مريم) عصر هذا اليوم : بأنفاس لاهثة جاءت وبحياء منقطع النظير لم أألفه في المتسولين والمتسولات الذين يجوبون دروب هذه العاصمة سألتني شيئاً لله ربما ما كان يميزها عن أؤلئك تقاطيع وجهها المتعب ، وجه أرهقه الترحال والسؤالات والجري والبشاتن وجه يكاد أن يسقط من وجهه ، وجه يفضح عصرنا المستدير ، هذا العصر اللولبي الذي يتساقط فيه البسطاء صرعي للمرض والعوز والفقر . كنت لحظتها أهم بالخروج من أجواء العمل لأعود لأسرتي التي غادرتها بعد صياح الديكة بلحظات شأني شأن الآلاف من أبناء وبنات هذا الوطن . جاءت مريم تحمل ما تحمل من هموم إذن ! سألتني بأدب جم حتي إنها لم تكلف نفسها تقديم الاوراق التي تحملها في يمناها ، وأظنها كانت علي يقين إنها لن تخرج مني في أفضل الأحوال سوي بالعبارة الشهيرة التي يطلقها القوم هنا (فايتنك بالصبر) حتي دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الحاصل شنو يا زول ؟ وقد يكون الكثيرون محقون في عبارتهم تلك ، فما يصادفوه أكثر من أن يتحمله إنسان في كوكب الأرض وما عليك . فالي مريم وقصتها ! (1) والعام 2006 ذهبت مريم برفقة زوجها عبدالله الي مستشفي ود مدني لاجراء فحوصات طبية بعد أيام طوال من المرض والإرهاق قالت مريم : يومتا لمن مشينا انا وعبدالله كان عندي وجع شديد استمر معاي اكتر من خمستاشر يوم انا قلت الوجع ده من التعب ومشاكل الشفع ، بالليل كلمت عبدالله قلت ليهو انا تعبانة شديد وما قادرة انوم ، الصباح قمنا مشينا الاسبتالية . الدكتور ادانا علاجات قمنا رجعنا العيال كانو في المدارس أبكر وحلوم وأمونه وعشة زمن داك سعدية ما جات لسه شلنا خضار وموز ورجعنا ...! (2) بعد اخدت العلاجات لقيت الوجع لسع في محلو كل ما يوم يمر بزيد بزيد بزيد بزيد قريب لي شهر داك كلمت عبدالله قلت ليهو: أنا لسع ما بقيت كويسة وكل ما يوم بتعب شديد جاني قريب اسبوع بقيت استفرغ ومرات بتجيني دوخة كده بقيت ما بشوف قدامي ، نقعد في الواطة شوية نرتاح شوية لمن عيوني تفتح ! تاني يوم عبدالله ساقني ورجعنا الاسباتالية الدكتور الاول داك قال نعمل ليكم موجات وعملنا موجات الدكتور حولنا بعد داك قال لازم تقابلو (اختصاصي )! (3) يوم داك عملنا (موجات) الدكتور التاني قال : لازم نعملو اشعة ملونة ! مشينا عملنا ده كلو الدكتور قال لي : يامريم انتي زولة مؤمنة قلت ليهو ايوة والموت واحد ..! انهمرت دموعي ساعتها ياسادة . انهمرت لبسالة هذه السودانية لتحديها المفرط حتي وان كان القادم هو الموت شخصياً ياخ هذه بلاد تحتاج لألف نشيد ولآلاف المغنين كي ينشدوا بطولات قومها !؟ (4) بعد شويتين الدكتور قال لي : يا مريم انحنا حنعمل ليكي عملية عشان نشيل الوجع بعد داك الوجع ده كلو بروح وترتاحي . عاينت لي عبدالله وعبدالله عاين لي وقام عبدالله قال للدكتور : مريم عندها شنو بالضبط يا دكتور ؟ الصراحة الدكتور كان زول كويس ما كان عايز يفاجئنا قام قال : لالالا ما تقلقوا ماعندها حاجة ودي عملية بسيطة خالص . (5) قالت مريم : بعد يومين بتمام الكمال أدخلوني غرفة العمليات ودعت أطفالي قلت ل عبدالله عيالي ديل أمانة في رقبتك واعفي لي المهم تقول مريم : عرفت بعد مرور 15 خمستاشر يوم انهم أزالوا ثديي الشمال ، عرفت بعد ذلك انني كنت أعاني من سرطان الثدي . كان ذلك والعام الفان وستة ! (6) هي المصائب لا تأتي فرادي ... المصائب دوماً علي إجتماع كافحاً طويلاً عبدالله ومريم كافحا لأجل أن تواصل مريم رحلة الحياة كان في احشائها في ذات التوقيت (طفلة) ستخرج للنور لا أدري أي منتظر ينتظرها لا أي مستقبل يا سادة أربع سنوات والأسرة تعاني ما تعاني لا كلمات تجدي لا دموع تجدي لا وصف يجدي ودموع مريم المنهمرة شاخت وهي ابنة الأربعين تقوس ظهرها من التعب والفاقة والمرض الي جانب هموم العيال . يا وطن عز الشدائد - (8) في الخامس والعشرين من أغسطس مضي عبدالله تاركاً خلفه مريم تاركاً صغاره الخمس تاركاً أضواء المدن زيفها وتاريخها ماضياً نحو سماوات أخري ، نحو حياة أبدية يعشها بعمله بوقفته الصنديدة بحلمه العفيف النضيف السوي . مات عبدالله زوج مريم حررت شهادة وفاة في ولاية القضارف عن وحدة ادارية الحواتة أساب الوفاة : وفاة طبيعية فكيف مات عبدالله يا عباد الله ؟ (9) قالت مريم : جاني (أبكر) وقال لي : أمي أبوي عندو دم في (صرتو) لم تهتم (مريم) لكن (أبكر) ظل يقول كلمته لثلاث أيام علي التوالي قالت مريم : بعد داك قلت ياربي ال(جنا) ده جاب الكلام ده من وين ؟ بعد داك بقيت اشوف دم بسيط في كل (هِدمة يملصا) عبدالله قلت ليهو : في شنو ياعبدالله انت عندك شنو ؟ قال لي : مافي شئ يامريم دي حاجة بسيطة بعد يومين مشينا الاسبتالية الدكتور قال بحتاج غيار تلاتة يوم نمشي الاسبتالية نغير لي عبدالله بعد اربعة يوم تعب شديد وديناهو الاسبتالية مافي ساعتين جاني الدكتور قال لي : البركة فيكم مات عبدالله ياناس - (10) بعد موت (عبدالله) وتزايد حوجة مريم للعلاج وتفاقم الأوضاع المعيشية عليها لم تجد مريم سوي الحضور بأطفالها لتقاسم شقيقتها السكن في إحدي الأحياء الهامشية بالخرطوم نظراً لحوجتها الماسة في العلاج ونظراً لرغبتها الجادة في الحصول علي لقمة عيش شريف . مقتطفات : أخرجت مريم أطفالها الخمس من المدارس لعدم توفر المصاريف الي جانب عدم توفر حق التسجيل في مدارس البندر الي جانب عدم توفر حق المواصلات . تقتات مريم وأطفالها الآن من التسول ...! مريم وحسب ما ذكرته وحسب ما شاهدت تحتاج لرعاية طبية عاجلة بحوزتي شهادتها المرضية بحوزتي شهادة وفاة عبدالله بحوزتي بطاقة مواعيد طبية لمريم صادرة عن مستشفي الجزيرة للعلاج بالأشعة بتاريخ التاسع من مارس 2011 والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً (11) فاتني أن أنوه : - بحوزتي رقم مريم وشقيقتها التي تستضيفها وأطفالها الخمس . - طلبت من مريم أن تسمح لي بنقل معاناتها وقد وافقت علي ذلك بأريحية قلت لها سأنلقل مأساتك ل للفيس بوك ولناس سودانيز أونلاين ولي ناس الراكوبة سألتني ببراءة وديل ناس منو ؟ أجبتها : في ناس كويسين يا مريم في الدنيا دي وديل فيهم ناس كويسين فوافقتني ثم مضت . - (12) من الكاتب : أطفال مريم أربعة بنات وإبن في شوق للرجوع لمقاعد الدراسة تحيل بينهم والمقاعد إلتزامات المدارس ! فكر عزيزي المواطن عزيزتي المواطنة في مستقبل ابنائك وللحظة فكر في ابناء مريم ! - مريم بما رأيتها اليوم في حوجة ماسة لإسعافها لكنها تعمل حسبما قالت لي لإعاشة أطفالها الخمس . وأنت تأكل عشاؤك عزيزي القارئ فكر في مريم وأطفالها الخمس ليس الا .