ثورة الإصلاح أم الحريق ؟ رشيد خالد إدريس موسي [email protected] في ليلة 18 يناير من عام 1977م , أصدرت الحكومة المصرية, قراراً بزيادات في الأسعار , و منها الرغيف الذي زيد من تعريفة ,إلي قرش واحد, أي بزيادة 100% , فثارت مصر و كادت أن تحترق, بفعل الثائرين. كان وزير المالية الذي أعلن تلك الزيادات ليلتها , هو الدكتور/ علي لطفي , أستاذنا في تجارة عين شمس, و هو إقتصادي متميز, كان أن ترأس الوزارة المصرية في وقت لاحق , و لمدة قصيرة ( 85 – 1986م ). كان الرئيس أنورالسادات, يومها في زيارة إلي أسوان, و من هناك أصدر قراراً بإلغاء هذه الزيادات. لكنه سماها إنتفاضة الحرامية , أي بدلاً من أن يعالج المشكلة من جذورها , عمد إلي إستفزاز الشعب المصري, بل أخذه الغرور, بعد العبور العظيم و تدمير خط بارليف في عام 1973م , و صرح في وقت لاحق , حين زج المعارضين في السجون و ثار الفرعون في داخله , فأخذ يتوعد و يهدد , قائلاً ( أنا مش حأرحم ) ! رد عليه العقلاء قائلين ( أنت لست رب الناس , حتي تقول مثل هذا الكلام ) . بعد أيام , قضي السادات بتلك الطريقة البشعة , و في يوم عيد النصر, أي في 6 أكتوبر من عام 1981م . ليت من يستعرضون عضلاتهم , في عالمنا العربي, و يدعون أن لا أحد ( سيقلعهم ) حتي ( يلحسوا كوعهم ) , أو حتي يروا ( حلمة ودنهم ), ليتهم يعتبرون بقصص الأولين. بعد ذهاب السادات, جاءت إلي الحكم , قيادة جديدة, و لكن ظل الحال كما هو عليه, بل تعقدت الأمور, و إزداد الحال سوءاً, إذ إزدادت معدلات الفقر و البطالة و الضغوط المعيشية التي عاني منها الشعب المصري, و إزدادت معدلات الفساد ,إضافة إلي تكميم الأفواه . كل هذا أدي إلي تراكم الأزمات و الضغوط علي الحكومة المصرية. و لكن بدلاً من أن تعالج المشكلة من جذورها , لجأت إلي المسكنات و الحلول الجزئية. و هذا بدوره أدي إلي تفاقم المشكلة, و تزايد حدة الإستقطاب, حتي صار الحال إلي ما هو عليه من حرائق و نهب و تخريب. يروي أن القاهرة, قد إحترقت في يوم 26 يناير من عام 1952م. في ذلك اليوم , أضرم البعض النار, في بعض المحلات في ميدان العتبة بوسط البلد. ثم تجمع الغوغاء , و أشعلوا الحرائق في كافة أنحاء القاهرة, فاحترقت في ذلك اليوم. لكن رغم مرور هذه السنين, لا يعرف أحد من أحرق القاهرة. بعد خمسة شهور من هذا الحادث, إستولي الجيش علي السلطة في 23 يوليو من عام 1952م. تري هل يعيد التاريخ نفسه , و تتكرر هذه التجربة كل حين, أي حكومة فاسدة , تنتج فساداً و إستبداداً , يثور ضدها الشعب, لينفس عن ما هو مكبوت في صدره , و يشعل الحرائق و يخرب ما هو عامر, بدل من الإضافة ؟! كم يحار المرء في حال هذا البلد, الذي كان آمناً , فقد جاء ذكر مصر في محكم التنزيل ( أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين) . لكن يري المرء اليوم العجب العجاب , من فوضي تضرب بأطنابها , كافة أنحاء البلد , و كأن الكل تحول إلي (بلطجية) . هذا رد فعل لما حدث , و هو تنفيس عن تراكمات من الحقد, الذي نتج عن الظلم. هذا الذي يقول ( لقمتي ) , و هذه الفتاة التي تقول , بأنها حصلت علي الماجستير, منذ ست سنين, و لا تجد عملاً, و غيره . إن مصر, بلد ذات تاريخ عريق, و قد بدأ هذا البلد نهضته الحديثة , مع اليابان في وقت واحد منذ أكثر من مائة و خمسون عام , أي في عهد محمد علي باشا , حاكم مصر , و في عهد الميجي , إمبراطور اليابان . هاهي اليابان تتربع علي القمة , رغم أن اليابان بلد فقير في موارده الطبيعية , بينما تعيش مصر في القاع , يتحسس شعبها الطريق, للإنعتاق من ربقة الفقر , رغم توفر الموارد . لقد نشأ هذا الوضع , بسبب الفساد و القهر, الذي يعانيه هذا الشعب, منذ زمن طويل. إن الأزمة في عالمنا العربي , عميقة و معقدة, و سببها نظام الحكم , الذي يفتقد التوجه السليم Mission و الرؤية الثاقبة Vision لما ينبغي عمله, إضافة إلي ضعف الجهاز الرقابي, في محاربة الفساد و المفسدين. و فوق هذا,غياب الحريات العامة , التي هي سبب لنشوء هذا الفساد و المفسدين. كل هذه المساوئ, تجعل عجلة الحكم تدور في فراغ , ينتج عنه تكرار المأساة كل حين. لابد من الإصلاح في عالمنا العربي, إن أردنا أن ننهض و نتقدم , و إلا سيلتهمنا الحريق , و نعود إلي الوراء. أي بدلاً من أن نعيش في دولة المؤسسات, سنعيش الفوضي, و سيضطر كل فرد منا غداً, لحمل عكاز أو سكين ليحمي نفسه. هذه هي الفوضي الخلاقة التي يتحدث عنها ( الجماعة ) , الذين ما يفتأون يخلقون الفتن هنا و هناك, ثم يضحكون علينا , وهم يستمتعون بمشاهدة الحريق و هو يلتهمنا , مثل نيرون الذي أحرق روما , ثم جلس يتفرج علي المأساة الملهاة !. هي نظرية خبيثة , وضعها فيلسوف خبيث, و سماها الفوضي الخلاقة Constructive instability , أي فوضي تنتج هدماً , يعقبها تجزئة المجزأ و تفتيت المفتت كما يقولون. هذا ما يرمي إليه أعداءنا , و ما درس العراق عنا ببعيد. هل نعي هذا الدرس ؟ الرياض / السعودية